ما بين كلمات منتقدة بشدة للجانب السعودي وغموض موقفه، ومؤيدة للمصريين الذين تظاهروا أمام سفارة المملكة بالقاهرة، وما بين كلمات أخرى أشد نقدا للموقف المصري وسماح السلطات للمتظاهرين بالاقتراب من السفارة، والتأييد لموقف السلطات السعودية وحقها في توقيف أي شخص يخالف القانون، كانت كتابات العشرات من أصحاب القلم والرأي في المملكة العربية السعودية، بشأن أزمة المحامي المصري أحمد الجيزاوي، وهي كتابات ربما غابت عن كثير من المصريين ولم يطلعوا عليها. «الدستور الأصلي»، ينشر مجموعة مقالات لكتاب سعوديين، نشرت في صحف ومجلات سعودية، تعليقا على أزمة الجيزاوي، وهي مقالات هامة، تساهم في كشف الصورة وتوضيح الحقيقة، ونبدأ بنشر 5 مقالات نشرت في جريدة «الرياض» السعودية:
بينة الملحم تكتب: لو كان من أمري.. لماذا استفزّهم القبض على الجيزاوي؟! جريدة الرياض 29 أبريل 2012 الاتفاقيات الأمنية بين الدول العربية كثيرة وفاعلة. والتعاون تحديداً بين مصر والسعودية في مجالات الأمن وتسليم المطلوبين قديم، قدم العلاقات المصرية السعودية. وهو تعاون أمني ليس طارئاً وإنما هو جزء من منظومة العلاقات الدبلوماسية الوطيدة. إذ مرّت العلاقات بين البلدين خلال الأربعين عاماً الماضية بدفء تام، والاستثمارات السعودية في مصر، والإقبال السياحي، والتبادل التجاري أحد الأدلة على عمق العلاقات بين البلدين. وقفت مصر بجانب الخليج في غزو العراق للكويت، وكذلك بقيت مصر مع الخليج في كل تحولاته ومراحله، ولا معنى لتحويل الأحداث الأمنية لأن تتحول إلى قضية سياسية تمس العمق في العلاقة بين مصر والسعودية. شكّل اعتقال المحامي المصري أحمد الجيزاوي وبحوزته مواد مخدرة حدثاً أكبر من حجمه، إذ قصارى ما هنالك أن المحامي عثر بحوزته على مواد مخدرة، ومن حق البلد الذي جاء إليه الجيزاوي أن يعامله بما يتفق والأنظمة والقوانين المعمول بها، يقبض على الكثيرين من السعوديين المخالفين للأنظمة في دول كثيرة، في أوروبا والولايات المتحدة، وفي مصر وبلدان عربية، إما بقضايا اختلاس، أو ممنوعات، أو أي مخالفة نظامية يمكن أن يقدم عليها السعودي، ولم تتحول القضايا الفردية التي تمس الإنسان نفسه والشخص ذاته إلى قضية تهزّ المجتمعات. ذلك أن الإنسان خصم نفسه، وكل نفس بما كسبت رهينة. القضية التي على الجيزاوي هي بعهدة الأمن والقضاء، تسير قضيته كما تسير قضية أي فرد آخر، والسعودية يأوي إليها سنوياً في الحج والعمرة الملايين ولم نسمع بأحد ظُلم في المطار أو لبّس تهمة ليست فيه، لكن المشكلة أن بعض الحركيين اعتادوا على التعاطي مع الأنظمة البوليسية الاستخباراتية، لهذا يقيسون أي بلد آخر على ذاكرتهم المعطوبة، يظنّون أن كل البلدان بمستوى الاختراق الذي تعانيه مؤسساتهم الأمنية، لهذا يشكّون في كل شيء، ويظنّون أنهم كلهم من «المستهدفين الأطهار» مع أن النفس أمارة بالسوء، وكل إنسان يمكن عليه الخطأ، والقانون لم يوضع لفئة دون أخرى، ولربما أخطأ من نظنّه في غاية الطهر، وبدا طاهراً من نظنّه في غاية السوء، فهوّنوا عليكم معاشر الحركيين من دعاوى الاستهداف. خلال السنة الماضية وجّهت نقداً واضحاً ومباشراً لحركات الإسلام السياسي، وكان نقداً سابقاً للظاهرة التي نعيشها حالياً، وكنتُ أحذّر من خطرهم حتى على الخليج، غير أن البعض ظنّ أنني أبالغ، لكن إن كان من إيجابية في قضية الجيزاوي فهي أنه أخرج المكنونات التي لدى الحركيين، إذ سرعان ما أبدوا كل الذي يخفون حول السعودية. أطلقوا تصريحات نارية، وأبانوا عن المشاعر المدفونة التي كانوا يسترونها بخطاب دبلوماسي هزيل، ولم يعلموا أن الذين قرأوا فلتات اللسان، وما بين سطور الأيديولوجيات قد اكتشفوا مواقفهم منذ القدم، منذ مؤسسيهم الأصليين الذين كانوا لا يرون في الخليج إلا لقمة يجب أن تكون سائغة في يوم ما، وهذا ما يتمنون أن يصلوا إليه أن ينفذوا في الخليج. السياسي المصري المتطرف حازم صلاح أبو إسماعيل صرّح بأن «تحرير مكة أولى من تحرير فلسطين» وذلك على صفحته ب»تويتر» أمّا في موقعه فقد قال بكل فجاجة: «ومن وسط هذه الشبهات والريب لا نستطيع أن نتدخل مطالبين بعدم التحقيق لاستجلاء الحقيقة فى جريمة ربما تكون قد وقعت ولكن بشرط أن تنبري مصر كلها رسميا وشعبيا لكفالة عدالة التحقيق وسرعته وتمكين المتهم من حقوق الدفاع ووضوح الإجراءات لأن احتمال التلفيق وارد جدا بنفس قدر احتمال التورط وحدوث الجريمة فعدالة الإجراءات هى الحل والرقابة والحراسة عليها حتم لازم لنحيا كراما ولا أحل لأحد أن يفرط فى حراسة هذه الواقعة فإن كرامة فرد واحد ما هي إلا مقياس لكرامة شعب بأسره». هذا هو السلوك الحركي الذي نحذر منه دائماً، مثل المتطرف أبو إسماعيل كثير من أنصاره، يدّعون الانتماء إلى تيارات إسلامية لإقامة «دولة إسلامية» وهم يقومون الآن بتصريحات دموية واستئصالية، لو كنّا نحن من قال انّ هؤلاء الحركيين لديهم طموحات للانتقام من السعودية لما صدّق البعض، لكن أبو إسماعيل اختصر الطرق والأدلة، بإمكان أي متابع أن يدرك الآن خطورة هؤلاء على السعودية والخليج، إنهم يريدون الانقضاض عليه، لكنهم يظنّون أنّ الجدر واهية، وهيهات لهم أن يعثروا على ما يريدون ويتمنون فالتطرف مهما تضخم وانتفخ.. فهو إلى زوال.
تركي عبد الله السديري يكتب: أصلاً هل هناك خصومات أو مبرّرات تباعد؟ جريدة الرياض 30 أبريل 2012 خارج المنطق والمعقول ما افتعله أشخاص ليسوا في موقع مسؤولية، وليس تناصراً مع ظاهرة ظلم مقصودة.. أو عملية اختطاف لبريء من بلاده كي يُحاكم في بلد آخر بتهمة تجاوزات شخصية.. ما حدث هو إدانة قادم إلى مطار سعودي تمت مراقبة ما يحمله معه فوُجدت أرقام هائلة لمادة تخدير ممنوعة التداول دولياً.. هذا شيء.. الأمر الأكثر غرابة أيضاً هو أن تصعيد مظاهر الإهانات والتجاوز غير الأخلاقي فيما قيل وفيما كُتب حدث قبل أن تأتي إجراءات التحقيق وبعدها العقاب، مما يوضح أن المقصود هو أن صاحب جنسية معينة لا يجوز أن يُحاسب ثم يُعاقب خارج بلده.. ليست هناك دولة تحظى بهذه الخصوصية.. هناك بريطانيون سجناء ومثلهم أمريكيون وسعوديون ومغاربة ولبنانيون وجميع الجنسيات لاسيما حين يأتي الاتهام في وجود تجاوز عليه إجماع دولي بمنع تداوله وتصديره.. أليس يبدو الأمر كما لو كان هناك ترتيب في خلق أزمة ثم عداوة بين أقرب دولتين عربيّتين إلى بعضهما في العالم العربي؟.. لأن تقارب العلاقات السعودية - المصرية هو نموذج لأخوة حبذا لو توفّرت بين جميع الدول العربية لردع ما يحدث فيها من خلافات وعداوات.. فالخلل لم يتوقف عند مَنْ حاول التهريب؛ ولكن عند مَنْ أراد أن يستفيد من المناسبة ليجعلها منطلق تباعد بين مصر والمملكة.. هل يوحي الأمر بأن هناك أصابع غير مرئية تحرّك هذا التجاوز وتبيح استعمال عبارات وتصرفات غير لائقة؟.. تُرى مَنْ هي الدولة العربية أو غير العربية التي لها مستوى التعاون والدعم الذي تقوم به المملكة مساندة لشعب مصر؟.. وهل يصل عدد العاملين المصريين في الوظائف داخل السعودية مثل ما هو موجود في أي دولة عربية أخرى؟.. وهل ما كُتب وقيل هو ممارسة حرية؟.. إذا كان أن رقم السياحة السعودية في مصر يرتفع إلى حدود الخمس مئة ألف شخص، وأن المملكة في صدارة الحضور الاستثماري داخل مصر بتشجيع وتقدير من الدولة وقناعة ومشاعر أخوة من جميع المواطنين.. لا يتوقف تساؤلنا عند نتائج هذا الافتعال بالتوقف عند العلاقات المصرية السعودية، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى شمولية واقع العالم العربي، إذا كان أن عاصمتين هما صدارة الحضور العربي.. الرياضوالقاهرة.. هما واجهة الأمل في إنقاذ العالم العربي مما يُرسم لمستقبله من انهيارات.. إنني لا أجد أن العبث الإعلامي حتى ولو عبّرت عنه أقلية هو حرية نشر، وإنما هو وسيلة هدم.. لنقرأ الصحافة ووسائل الإعلام الصينية التي لم تمارس هذه الحرية المفتعلة، وإنما مارست تصعيد ما يزيد على المليار ومئتي مليون صيني إلى مواقع المنافسة مع دول العالم الكبرى.. أملنا كبير وهذا ما كانت تعبّر عنه العلاقات المتميزة بين الرياضوالقاهرة أن تكونا كفاءة القدرة في مواجهة ما تحاول قوى دولية وشرق أوسطية بثّه من خلافات ونزاعات داخل عالمنا العربي..
د. مطلق سعود المطيري يكتب: الخروج عن النص.. الثورة والأخلاق!! جريدة الرياض 30 أبريل 2012 من غير المتصور أن تمر أزمة "الجيزاوي" دون أن تترك ملمحاً من أثر بائس في ملف العلاقات السعودية - المصرية.. فالإهانات التي مارسها المتظاهرون فوق جدران السفارة بالقاهرة أو الهتافات البذيئة الوقحة في وسائل الإعلام تكشف عن قدر هائل من الانحراف والتضليل لدى الرأي العام المصري صنعته فضائيات التشهير ورجال الإعلام الذين يقودون جمهوراً دون رأس ويحركونه في كافة الاتجاهات دون رابط أو رادع أو حساب.. وعندما يهدأ الغبار وتتضح الحقائق لا نجد من يعتذر كما يفعل الرجال.. كنا نتصور أن ثورة 25 يناير العظيمة قد صنعت شعبا ورجالا من الشرفاء الذين أبهروا العالم بأدائهم السياسي السلمي الذي يرقى إلى مصاف الزعيم الهندي غاندي، وتصور الكثيرون أن "الغاندية" بعثت من جديد في جلباب مصري.. لكن الأمر على ما يبدو لم يكن كذلك.. ولا أبالغ أن المعالجة المصرية لأي خلاف سياسي أو قانوني أو حتى نزاع تجاري مع المملكة قبل الثورة، لم يختلف كثيرا عنه بعدها، فهو دوماً يتحرك داخل دائرة من السباب والشتائم وأقسى العبارات، لكن البعض يلعب دوماً على عامل النسيان وفقدان الذاكرة لدى الشعوب، فما بالنا برأي عام بلا رأس تحركه ميكروفونات الفضائيات كيفما تشاء.. دأبت على مدى شهور في الترويج لمفاهيم مغلوطة حول موقف المملكة من الثورة المصرية دون أن تقدم دليلا ماديا واحدا على صدق ما ذهبت إليه من أباطيل فقررت أن تصنع دليلا مزيفا تقدمه للرأي العام من قصة واهية عن قانون لا أثر له في منظومة القضاء السعودي وهو "السب في الذات الملكية" !! وعندما أسقط في يدها وتبين كذب ادعائها حشدت جماهيرها لإثارة الفتن رغماً عن أنف الجميع.. كان من المتصور أن يقبل العقلاء والمنصفون شهادة المستشار ماهر المهدي القائم بأعمال القنصل المصري بجدة، بأن الجيزاوي محتجز في مباحث المخدرات بجدة، وأنه توجه لزيارته، وأنه اعترف له بحيازة ما يقرب من 21 ألف قرص "زياركس" والتي ضبطت معه أثناء دخوله إلى المملكة لأداء مناسك العمرة، نافياً علمه أنها ممنوعة، ومؤكداً نيته توصيلها لإحدى الشركات التجارية بتكليف من شخص مصري، لم يفصح عن اسمه.. إلى هنا تكون الصورة قد وضحت، ومن الطبيعي أن يكون الملف قد أصبح جنائياً بتأكيدات القنصل المصري، خالياً من أية تورية سياسية أو نكهات تآمرية مثلما سارت منذ البداية التكهنات المضللة التي دفعت بالقطيع الأعمى دون تروّ أو فكر مستغلة وهج الثورة المصرية.. لكنه يأخذ منحى جديدا أكثر حدة بالتشكيك في نزاهة القضاء السعودي في إصرار غريب على العودة بالقضية إلى المربع صفر وكأن التهدئة وتوضيح الحقائق للرأي العام قد باتا يضران بمصالح البعض!! يمكننا أن نتفهم ثورة الرأي العام والاحتقان الشعبي حين تغيب الحقائق، ويكون ذلك مقبولاً إلى أن يتم التوضيح، لكن من غير المقبول أن يأتي الإصرار على التضليل من أعلى قمة الهرم الدبلوماسي المصري وهو السيد محمد كامل عمرو الذي أحال السفير محمود عوف إلى التحقيق لتأكيده التهم المنسوبة للجيزاوي، وكأن المفترض من أي سفير أن يمارس البلطجة والتضليل على الدولة المضيفة ويستدرج الرأي العام إلى مناطق مظلمة.. لكن تصريحات وزير الخارجية المصري تكشف بوضوح عن مدرسة دبلوماسية متجذرة في أروقة السياسة المصرية منذ ما قبل الثورة تعتمد منهج الابتزاز السياسي في علاقاتها بالدول الشقيقة.. وأياً كانت الاتجاهات التي سيؤول إليها ملف القضية سواء بالتبرئة أو الإدانة ففي نهاية الأمر لا توجد قواعد تفسيرية مقبولة لمنهج الاشتباك الوقح الذي أدمن البعض ممارسته في شؤون العلاقات مع مصر قبل وبعد الثورة.. وما يثير المزيد من علامات الاستفهام أن تتزامن أي أزمة مصطنعة في العلاقات مع مصر بتهديدات مبهمة للعمالة المصرية بالمملكة، وهي تهديدات مصدرها الوحيد دوماً كانت القاهرة ولم يثبت بلفظ أو قول أو فعل أنها وردت من المملكة، ما يعني أن العدو كامن في داخل البيت المصري فاحذروه قبل أن ندفع جميعا ثمن مؤامرة مدفوعة الأجر فرضت علينا ونساق إليها جميعاً يومياً مثل قطعان من الغنم!!
يوسف القبلان يكتب: بالقانون وليس بالعواطف جريدة الرياض 30 أبريل 2012 هل الجنسية هي عنوان البراءة؟ لماذا يصدر الشارع الأحكام القضائية على الناس بتأثير الانتماء، والهوية؟! دون انتظار لما يصدر عن المحكمة؟ كيف يتحول الخارج على القانون إلى بطل في نظر بعض مواطنيه؟ ولماذا في عصر العلم، والحضارة، والتقدم تتحول الحالة الفردية إلى أزمة؟ كل إنسان، في أي وطن له احترام وكرامة وحقوق وكل إنسان يخضع للقانون وإذا كان يحاسب في بلده على المخالفات، والسلوكيات المخالفة لنظام البلد فإنه سوف يعامل بنفس الطريقة خارج بلده ولن يستثنى من تطبيق القانون، ومن المحاكمة تحت ضغط آراء عاطفية وحملات إعلامية. الانتماء إلى بلد معين لا يجعل الإنسان فوق القانون. وإذا حدث سلوك مخالف للقانون أو جريمة من أي نوع في بلد آخر غير البلد الذي ينتمي إليه صاحب السلوك فإن هناك أنظمة وقوانين واتفاقيات دولية لمثل هذه الحالات وفي الغالب لا تتأثر علاقات الدول الاستراتيجية بالقضايا الجنائية أو الحالات الفردية وفي الغالب أيضاً فإن الإعلام في الدول المتقدمة يطرح مثل هذه القضايا بالحقائق وليس بالعواطف والانفعالات. أمامنا حالة (الجيزاوي) وهي حالة فردية ولا يمكن ان تنسب للبلد الذي ينتمي إليه سواء، كانت مصر أو بلدا آخر. أما الأفراد الذي يفقدون السيطرة على عواطفهم، وربما ينقلونها إلى وسائل إعلامية تحت تصرفهم فهؤلاء يعتقدون أنهم يخدمون بلدهم، وهم يفعلون العكس أو أنهم يفعلون ذلك لأغراض تفرضها مصالح حزبية وبرامج انتخابية أي ان المصالح الضيقة تكون لها الغلبة على حساب مصلحة الوطن. والمصالح الوطنية لا يمكن تحقيقها بالشعارات والمظاهرات. ما بين المملكة ومصر ليس مجرد أعراف وقوانين دولية، وإنما هو علاقة تاريخية، واستراتيجية لا يمكن ان تؤثر فيها أحداث جانبية أو محاولات من فئة محدودة لإيجاد ثغرة في جدار هذه العلاقة المتينة وهؤلاء لن ينجحوا في مسعاهم سواء كانوا من الداخل أو من الخارج. ولا يجهل الذين يحركون الشارع ان القضاء هو الذي يفصل في القضايا وليس العواطف، وان ردود الأفعال الانفعالية على حالات فردية ليست هي التي تقوم عليها علاقات الدول. تلك العلاقات لها أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية لكن بعض المتطرفين يريد استغلال حادثة الجيزاوي لتوتير العلاقة القوية بين السعودية ومصر والوصول إلى مآرب سياسية تحت شعارات عاطفية تتحدث عن الكرامة والثورة وحقوق الإنسان والعدالة.. إلخ. وكيف يجوز لمنفعل يزعم أنه يدافع عن كرامة وطنه ان يسيء إلى كرامة الآخرين، وان يتجنى على الأوطان الأخرى بلسان يطلق الكلمات والاتهامات دون ان تخضع لميزان العقل، والمنطق والعدالة وحقوق الإنسان التي يزعم أنه يدافع عنها. هناك من يمتلك مهارة تحويل الحوادث الصغيرة والحالات الفردية إلى أزمة بين الدول وهؤلاء ليس لهم غير تأثير موقت ومحدود لأن علاقات الدول لا يسيرها المتطرفون وإنما العقلاء والحكماء الذين يسعون لمصلحة الجميع وليس لمصلحة طرف واحد.
راشد فهد الراشد يكتب: شموس الأزمنة.. الكذب يصنع الوهم! جريدة الرياض 29 أبريل 2012 أسوأ الممارسات أن يتورط الإعلام أو إنسان الشارع جهلاً أو وعياً فيتبنى حالات سلوك فردية، ويحولها إلى قضية كبيرة تزعزع الثقة، وتمهّد للشروخ بين الشعوب، وتنشئ نوعاً من التباعد والقطيعة بين نظام ونظام، وإنسان وآخر، وفضاء اجتماعي وثقافي وما يوازيه في بلد من البلدان، وتتضخم الحالة وتكبر وتتسع إلى أن تأخذ بعداً يؤثر في العلاقات السياسية، والاقتصادية، وتنبت الحواجز المريبة التي تدفع الشعوب أكلافاً باهظة الأثمان من أجل إزالتها، أو تجسير ما خلفته من أخاديد في نسيجها، ومعالجة تداعياتها وآثار ما خلفته من ندوب وتشوّهات في جسم العلاقات، وأحدثته من انهيارات نفسية، واغتيال للثقة، والحب، والتمازج بين شعبين يتحدان كثيراً في الآمال، والآلام، والتوجهات، والأحلام، والطموحات، والغايات، ويسعيان إلى تكامل تضامني في المواجهات ضد كل المعوقات، والهزائم، والمحبطات. أن يتورط بعض الإعلام العربي، تماماً كما يتورط الغوغاء في الشارع بشكل لا أخلاقي في النفخ بنار الفتنة، وتزييف الحقائق، وحرف كثير من القضايا المسلكية إلى دروب التشكيك الذي يفضي إلى العداوات والخصومات، وتبني قضايا مسلكية فردية تماماً لإسقاطها على علاقات دولة عربية بأخرى وقفت وتقف معها في السراء والضراء، وتعمل على تشويه تاريخ طويل ومبهر من التعاون على كل الصعد، وصناعة المصائر المشتركة، والعمل لعبور المنعطفات الحادة في مسار التاريخ السياسي والاقتصادي، وتجنب كل الألغام المزروعة في طريق التكامل والتفاهم، وتوحيد الصف والجهود ودفعها متضامنة في غايات واحدة، وأهداف نصرة القضايا العروبية، وتحصين الإرث المعرفي، والحضاري، ومنجز التنمية، أن يكون هذا من بعض الإعلام وبعض الشارع فذلك دليل على خواء فكري، وانحسار أخلاقي، وتخلٍ عن دور وواجب وطني يُفترض أن يتماهى مع التاريخ الحافل بالتعاون والدعم والوقوف كتلة واحدة في أزمنة كانت المصائر فيها مخيفة إلى حد الموت. كنا ننتظر أن يكون العقل رائداً في قراءة، وتحليل، وتناول بعض الحالات الفردية، وأن تكون المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات، والميول، والأهواء، وأن يكون الهم الاستشرافي لزمن قادم بالتباساته، وغموضه، ومخاضات ولادات سياسية واقتصادية، وتوجهات لم تتضح حتى الآن برامجها، ورؤاها، وأهدافها، أن يكون العقل هو المهيمن والمسيطر والمقونن لكل سلوك تعاملي مع الآخرين، غير أن واقع الأمر يشي بأننا لانزال نعيش بعقلية الستينيات حين كان الكذب، والدجل، والزيف، والتجني، وعهر الكلمة، ممارسات ضلّلت الإنسان العربي، وأطعمته الوهم، ومنحته العيش في سراب الوحدة، والانتصارات، والمحصلة كانت الانهيارات النفسية، والسقوط في أفخاخ الوهم، وسيادة الشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" والمعركة عداوات وخصومات مع الشعوب العربية، وفساد أخلاقي ومالي وبنيوي في مفاصل الدولة، ومؤسساتها، وتفشي مثلث الفقر، والجهل، والمرض في جسم المجتمع، وغياب التنمية بشكل كامل على كل الصعد والمستويات، وما نتج بعد ذلك من أوجاع، وداءات، تحولت إلى معوقات قاتلة في مسيرة الأمة. نحن الآن في بعض أقطارنا العربية بجهلنا، وسقوطنا الأخلاقي نكرر المأساة، ومن لا يقرأ التاريخ محكوم بإعادة إنتاجه، وما رافق حالة المواطن المصري أحمد الجيزاوي، واسمه الحقيقي أحمد محمد ثروت السيد، من صخب وضجيج إعلامي، واحتجاجات في الشارع، وكلام بذيء لا يقدم عليه إلا العالم السفلي، يمثل هذا السقوط، ولا نرغب في استدعاء التفاصيل فقد فندت، واتضحت الصورة لمن لديه الحس العروبي، ويتحصن بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة، ويحترم قدسية الكلمة، وشرف المهنة، أما من لديه هوى في نفسه فذاك شأنه.