هذه المرة كانت السينما المصرية موجودة داخل المسابقة الرسمية فى مهرجان «كان»، هو اعتراف بأهمية الفيلم الذى أخرجه يسرى نصر الله، صحيح أن فيلم «بعد الموقعة» يتناول الثورة المصرية، والمقصود بها هى تلك التى شارك فيها الجِمال والأحصنة والحمير والبغال للقضاء على الثورة.. لم أشاهد الفيلم ولكن رددت بعض الجرائد العربية أن السينما المصرية حجزت لها مكانا فى المهرجان هذه المرة أيضا لأسباب سياسية. والحقيقة أن مصر وتونس فى العام الماضى حظيتا بمكانة استثنائية فى «كان»، لها طابعها السياسى، وحرصت إدارة المهرجان على أن تقدم لهما نوعا من التقدير وعرضت الفيلم التسجيلى التونسى الطويل «لا خوف بعد اليوم»، وعرضت لمصر فيلمى «18 يوم» و«صرخة نملة».
كانت مصر وتونس موجودتين فى المهرجان تعبيرا عن ثورات الربيع، ولهذا مثلا لم تشارك لا مصر ولا تونس فى المسابقة الرسمية، ولكن على الهامش عرض فيلم «18 يوم» فى قاعة بجوار القاعة الرئيسية «لوميير»، وعلى شاطئ الريفيرا عرض فيلم «صرخة نملة».
ولكن فيلم «بعد الموقعة» يعرض فى القاعة الكبرى «لوميير»، ولم تكن هذه أول مشاركة ليسرى نصر الله، لأن علاقته بالمهرجان بدأت منذ أول أفلامه الروائية «سرقات صيفية» 1988، الذى عرض فى قسم «أسبوعى المخرجين»، وبعدها فى 2004 «باب الشمس» الذى عرض رسميا، ولكن خارج المسابقة، وتلك هى المشاركة الثالثة، هذا لو حذفنا من القائمة أنه كان واحدا من المخرجين المصريين العشرة الذين أخرجوا فيلم «18 يوم».
صحيح أنه فى العام الماضى كانت هناك سجادة حمراء وشاهدنا العديد من المخرجين والنجوم وهم يتسابقون للصعود عليها، ولكن الأمر لم يزد على تعضيد يحمل معنى سياسيا تبناه المهرجان الفرنسى لمؤازرة الثورة فى مصر وتونس.
يسرى واحد من المخرجين الذين تتلمذوا على يد يوسف شاهين، وكان وهو يمارس الإخراج يعمل مساعدا أيضا فى أفلام الأستاذ، فهو من أخلص تلاميذه.. وتستطيع أن ترى خالد يوسف، الذى اقترب من يوسف شاهين فى مرحلة لاحقة، قد استفاد من تجربة يسرى، وكان يخرج أفلامه، وفى نفس الوقت يحرص على أن يساعد الأستاذ.
يسرى يُقدم فيلمه فى المسابقة الرسمية بعد 15 عاما من الغياب عندما عُرض فيلم يوسف شاهين «المصير» فى المسابقة الرسمية، ومنذ ذلك الحين ونحن بعيدون عن المشاركة داخل التسابق، ولا يعلم الكثيرون أنهم لو عادوا إلى كتالوج المهرجان فى 97 لن يجدوا فيلم «المصير» بين عروض المسابقة، حيث إنه اختير فى البداية للعرض الرسمى خارج التسابق، ويومها اعتبرت الصحافة المصرية بناء على معلومات خاطئة سربها مكتب يوسف شاهين، أن الكبار لا يعرضون أفلامهم فى التسابق، وأن هذا يعنى أدبيا أن فيلم «المصير» فوق مستوى المسابقة، فى حين أن الحقيقة هى أن الفيلم كان يقف على الخط، ولم يطلب يوسف شاهين استبعاده، والدليل أنه فى اللحظات الأخيرة كان هناك فيلم صينى مدرج فى المسابقة، اعترضت عليه السلطات الصينية، وبسبب ذلك عرض «المصير» وحصل يوسف شاهين على جائزة تكريمية عن مجمل أفلامه، فى إطار احتفال المهرجان باليوبيل الذهبى.
يسرى يدخل المسابقة الرسمية، ولا أتصور أن منتهى أحلامه هو الصعود للسجادة الحمراء مع أبطال فيلمه.. كنا على مدى سبع سنوات نمارس هذه اللعبة، نؤجر السجادة ليمشى عليها نجوم ومخرجو أفلام «يعقوبيان» و«البيبى دول» و«حليم» و«إبراهيم الأبيض» المعروضة فى السوق خارج الإطار الرسمى للمهرجان، ونعود إلى القاهرة، بينما العديد من الفضائيات تنقل كذبا أن هناك انتصارا حققته السينما المصرية، والدليل هو صور «كان»، بينما نحن دفعنا الثمن، وهو عدة آلاف من اليوروهات.
هذه المرة نحن بصدد مشاركة حقيقية، ولا يمكن أن نكتفى بترديد تلك العبارة التى صارت «كليشيه» من أن مجرد المشاركة جائزة، وكأننا لا نستحق حتى الحلم بالجائزة.
نجاح الفيلم فى المهرجان هو الهدف والسعفة الذهبية من حقنا أن نحلم بها، ولا ننسى أن المخرج الجزائرى محمد الأخضر حامينا فى عام 75 حصل على السعفة عن فيلمه «وقائع سنوات الجمر»، وأن اللبنانى مارون بغدادى والفلسطينى إيليا سليمان والجزائرى رشيد بوشارب حظيت أفلامهم بجوائز فى «كان» ولم يكتفوا فقط بالتمثيل المشرف.