لو كنت كائنا فضائيا فى زيارة إلى مصر لاحترقَت أعصابى قبل أن أتمكن من العودة إلى كوكبى. سأفقد قدرتى على إنجاب فضائيين أطفال نتيجة متابعة إقبال المصريين المتزايد على الشرب من بحر المبالغة.
طب فكر معى..
1- خيال ضعيف فى توجيه الاتهامات: فقر الخيال يجعل الاتهام واحدا يخرج من هنا لهناك ثم يستقر عند من أطلقه من جديد، وكأننا نثبت كل يوم صحة نظرية «الشتيمة بتلف تلف وترجع لصاحبها»، لم ينج أحد من التعرض لتهمة «عميل»، كما لم ينج أحد من استسهال توجيهها، طيب إذا كنا كلنا عملاء فهذا أدعى لأن نتوافق، مبالغة غريبة فى التمسك بنوع واحد من الاتهامات وهو دائما اتهام منقوص، إذ يقوم على استنتاجات أصحاب المؤهلات العليا.. وكله بالحب.
2- لكل محبة كراهية مساوية لها فى القوة ومضادة لها فى الاتجاه وعلى خط عمل واحد: محبة كثيرين لفكرةٍ ما هى محبة ثلاثة أرباعها كراهية للفكرة المضادة، سيفند لك شخصٌ ما أسباب كراهيته للفكرة الأخرى أو المرشح الآخر بمهارة بالغة، لأنها هى الأصل بداخله وعندما تطالبه بتفنيد أسباب محبته وإيمانه بفكرته أو مرشحه سيقول لك كلاما شكله حلو معادٌ تصنيعه. المبالغة فى الكراهية عندنا تقود البعض إلى الوقوف فى الجهة المقابلة دون أن ينظر أحد إلى أسفل قدميه ليرى أين يقف؟
3- على الرغم من قرار وزارة الصحة تخفيض سعر الفياجرا حتى تصبح القراءة للجميع بالذات لمن فقد نظارته لأسباب رخوة، على الرغم من ذلك ما زالت هناك أصوات عالية على الفاضى، كان يفترض فى الفياجرا أن تسحب الكهرباء الزائدة من البعض حتى يهدؤوا، فنفهم همّ عايزين إيه، لكن يبدو أنهم تعاطوا فياجرا مغشوشة أحرجتهم بزيادة، فيخرجون علينا من كل شاشة يصرخون فى وجوهنا، لم أر فى هذا البلد من هم أكثر هدوءا من أصحاب الحق، أصحاب الحق صوت أفكارهم عالٍ ويصم الآذان المشوهة، أما المشغولون بقضايا باطلة فلا بد لهم من كشف صحى كامل لتظبيط نسبة الدهون فى الدم، الأمر الذى قد يجعل الفياجرا تؤتى ثمارها، فيصحو من نومه مستهديا بالله رائق المزاج يجرى مداخلته أو يَزُور برنامجه وهو قادر على تكوين جملة مفيدة بعد أن تخلّص من كل التشويش الذى زرعته بداخله أفكار مضللة، مبالغة فى الانفعال.. ماشى.. لكن اللى مش ماشى أن هذه المبالغة هى اللى «واكلة السوق».
4- معِدُّو البرامج فى مصر يمتلكون أجندة تليفونات واحدة، يحفظون أرقام من فيها ويتصلون بهم لا إراديا بالطريقة نفسها التى نتصل بها بأى رقم ثابت لمطعم ما لعمل أوردر، لن تجد مطعما يعتذر لك عن عدم تلبية الأوردر بخلاف أنك لا تمتلك خيالا فى الطهى، والنتيجة أننا نأكل الطعام نفسه كل يوم، حتى أصبحت حياتنا بلا طعم. المعِدّون يبالغون أيضا فى الاستسهال، وهم المسؤولون عن كوننا نرى الضيف فلانا يقفز كالبرغوث من ياقة قميص هذا المذيع، إلى ياقة مذيع أخرى، إلى جاكيت مذيع ثالث، وهات يا هرش وهكذا.
لو كنت مواطنا بلوتونيا «نسبة إلى كوكب بلوتو» كنت سأقطع شرايين يدى وأنا أرى مليون شخص فى ميدان واحد تحت عنوان «توحيد الصف»، بينما المليون يعطون ظهورهم لبعض ويتحدثون جميعا فى اللحظة نفسها فى مكبرات صوت متقابلة، كنت سأقطع شرايين يدى وبلد عظيم مثل مصر يهرى فى نفسه وفى أعصابه ومقدراته ومستقبله فى حوار حول والدة مرشح ما، المرشح كذاب، لأ صادق، لأ البينة على من ادعى، طب احلف، طب قول والمصحف، هذا البلد الكبير غرز فى رمل قضية قوامها الملاوعة وأخذ يزايد ويحلل وينظر، مبالغة انقلبت إلى هذيان ذاب فيه المصريون لدرجة أنهم لم يشعروا برائحة كبريتيد الهيدروجين المنبعث من جنباته، كنت سأقطع شرايين يدى هربا من المركب الذى يتأرجح مع أن كتالوج قيادته موجود، لكن المشكلة أن هناك من يرى أن الكتالوج وجهات نظر وكل شخص له وجهة نظر يؤمن أنه بسببها الأحق بقيادة المركب، أما من يرى الكتالوج مجردا لا يحتمل أى تأويلات فأكيد طبعا هو عميل، كنت سأقطع شرايين يدى.... ولَّا ثوانى ثوانى.. هل للكائنات الفضائية شرايين أصلا أم أنها دى كمان مبالغة؟