ما الذي يمكن أن ننتظره من رجل الشارع العادي..عندما يسمع عن رفض الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة قبول تعيين المرأة قاضية..ثم كيف نقنع هذا المواطن البسيط بأن المرأة نصف المجتمع..وأنها تعيش في ظل قهر اجتماعي دائم..ثم نريد من هذا المواطن البسيط الاستجابة إلي حملات التوعية التليفزيونية برفض ختان الإناث..بينما يري بعينيه أن (صفوة) عقول مجتمعه..يتخذون موقفا عنصريا..ينكرون به حق المرأة أن تكون قاضية..وهو رفض المقتنع بنقصان المرأة وأنها ليست في منزلة الرجل. لست هنا في محل جدل قانوني أوفقهي حول الحجج التي ساقتها الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة لتبرير الرفض..لكن المؤكد أن هناك خللا قد وقع في هذا المجتمع وأصاب نخبته في مقتل. نعرف أن يد الدولة قوية وأنها ستمرر بسطوتها قرار تعيين المرأة قاضية..لكن ليست هذه هي المشكلة أو المأساة بمعني أدق..لأننا لا نرغب في صدور القرار بقوة ضغط الدولة..بل عن قناعة مطلقة للجمعية العمومية بمجلس الدولة..والتفاخر بكونهم أول هيئة قضائية تسمح بجلوس المرأة قاضية علي المنصة. كيف وصلنا إلي هذا المنحدر..وأين سيمضي بنا المستقبل..إذا كان هذا هو حال ومنطق وتفكير جزء من صفوة عقول مصر..وإذا لم يكن القضاة في صدارة قادة التنوير بالمجتمع..فمن غيرهم سيلعب هذا الدور؟. الصدمة والحزن أن يصدر ذلك عن بعض قضاة مصر..أما الأكثر هما وغما فهو مانقلته «الشروق» عن محمد الحسيني رئيس مجلس الدولة وقوله:علي جثتي أن تكون المرأة قاضية بمجلس الدولة قبل الهيئات القضائية الأخري..ما الذي تركناه إذن من حوار للبسطاء..إذا كان هذا هو المستوي الذي يصدر عن قاضي قضاة مجلس الدولة..كأن الرجل ومجلسه يخوضان معركة حربية. حالة الارتباك التي شهدتها جلسات التصويت علي قرار التحاق المرأة للعمل بمجلس الدولة..انعكست بدورها علي التغطيات الصحفية..حتي إن مانشيت صحيفة «الأهرام » في طبعتها الأولي أمس الأول كان (مجلس الدولة يرفض بالأغلبية تعيين المرأة قاضية) بينما جاء عنوان جريدة الشروق (رئيس مجلس الدولة يقرر تعيين المرأة بمجلس الدولة مخالفا أغلبية شيوخ القضاة)..هذا التباين يعكس عدم وضوح الصورة حتي الآن بمجلس الدولة. المتابعون يعرفون وجود ضغوط علي مجلس الدولة لإلغاء قراره السابق.. وظني أن هذا سيحدث..وسيتم تعيين الإناث بمجلس الدولة..لكن الصدمة أكبر من صدور قرار..فالمعني الحقيقي وراء رفض الجمعية العمومية بمجلس الدولة هو أن هذا المجتمع يعود القهقري إلي الوراء عشرات السنين..لذا علينا ألا نتفاءل بصلاح حاضره أومستقبله..فهذا هو حال نخبه وصفوة عقوله..وأن مادة حقوق المواطنة بالدستور..وتحديد حصة (كوتة) للمرأة بمجلس الشعب ..هو محض تصورات رسمية لم تنزل إلي أرض الواقع. تشبث قضاة مجلس الدولة بألا يكونوا في مقدمة الهيئات القضائية القابلة بتعيين الإناث بها..يعكس منطقا مغلوطا..صدمتنا كبيرة..لأن من تصورنا أنهم الذين يقودون المجتمع إلي النور..كانوا هم من يقودوننا إلي عصور الظلام!!. مصر ليست بخير.