ذلك الفعل الوحشي الذي لا يستحق مرتكبه إلاّ الموت أياً كانت الطريقة، إنه "إغتصاب الجسد"، اغتصاب مادي ومعنوي، ربما لا يتفق معي الكثير ولكنه أكثر الجرائم فظاعة وألماً يفوق إزهاق الروح ذاتها. المسلسل التركي "ما ذنب فاطمة جول؟" جسّد المشهد على فظاعته وصدمته في 4 دقائق كانت كافية لتُصيبني بقشعريرة شديدة، كما أخذت يداي ترتعشان بإنتفاضة، ثم لم أتمالك نفسي وأجهشتُ في البكاء، وتذكرتُ كل الفتيات والنساء اللاتي عانين وما زلن يعانين من هذه الوحشية الرهيبة، سواء في دول أصابتها لعنة الحرب، أو أخرى تقبع في سلم مزيف قام بعض مرضى مجتمعها بإرتكاب هذا الجرم البشع !
مسلسل "فاطمة جول" يروي قصة حقيقية حدثت في تركيا عام 1975 لفتاة ريفية فقيرة قام بإغتصابها 3 شباب أثرياء وتركوها في العراء منكوبة، إلاّ أنها قاومت وحاربت محاولات تكميمها وسلب حقها وعدم فضحهم سواء على مستوى أسرتها أو عائلات الشباب الأثرياء أو مجتمعها أو قوانين دولتها.
تعمدت المخرجة أن تُظهر الممثلة المشهورة دون مكياج في حلقات كثيرة، بوجه شاحب وباهت وتحولات في نفسها الجريحة والمنكسرة، إلاّ أن عيونها لم تنطفئ داخلها نار الغضب والقوة حتى تأخذ حقها المُغتصَب مثلها من مرتكبي الجريمة ومَن تكتموا عليها أو شاركوا بالتضليل، حينها فقط تذكرت الفتاة المصرية "سميرة إبراهيم" مفجرة قضية كشف العذرية الإجباري التي قامت بها عناصر من الشرطة العسكرية التابعة للمجلس العسكري المصري وتصدت لهم وحدها أمام المجتمع الخانع والقانون مليء بالثغرات وجبروت النظام المستبد وقضاة مُتبدلو الحال والأحكام!
وبرعت الممثلة التركية المعروفة "بيرين سات" في تمثيل المشهد وتقمّصه بحرفية لا متناهية، بعد أن عُرض هذا المشهد وممثلته على أطباء نفسيين وأخصائيين فسيولوجييّن ليقوموا بدراسة المشهد العنيف حتى يصلوا إلى أفضل صورة يراه المشاهد بها تكون أقل إزعاجاً له، وقامت "بيرين" بإعادة المشهد أكثر من 7 مرات ولمدة 7 ساعات متواصلة ليخرج المشهد في نهاية الأمر كما شاهدناه.
يبقى أن أُشير إلى أن هذا المسلسل بما يمثله من واقع تركي، إلاّ أنه يُعريّ مجتمعاتنا العربية بكل تياراتها المختلفة، وكيفية علاجها لمشاكل عميقة متجذرة في ثقافتنا كالإغتصاب، فهذا الفعل الوحشي لا يجب الحديث عنه، وإلاّ فليكن الحديث هامساً، ولا يتطرّق إلى التفاصيل، أو يُقررّ المتحدث أن يُساند أحداً في مثل هذه القضية، كما لا يُشجع أحداً تعرّض لهذه الوحشية أن يفضح مغتصبيه، وكم في مجتمعاتنا مَن تستر على مجرمين خوفاً أو طمعاً في تعويض، وكم مَن أرغم فتاة تعرضت لأفظع جريمة على الإطلاق على السكوت والإختباء خشية الفضيحة والعار، أعلم أن هذا الملف شائكٌ للغاية لكنني قررت فتحه والبحث عن فتيات أو نساء تعرّضنا لهذا الإعتداء لفضح المجرمين وكشف سوءة مجتمعٍ يرتكب الجرم مرة بعد مرة بعاداته القميئة... ولنا في القضية بقية.
المسلسل يبعث رسالة مفادها "قاوم مهما كان الألم والقسوة والعنف، ففي نهاية الطريق أملٌ وحقٌ يعود".