توقفت عن الكتابة منذ مدة، لا أدري إن كان ما أكتبه له معنى في هذا الظرف التاريخي الذي يتسم أساسا باللامعنى واللامعقول. الذي جعلني أكتب هذا المقال هو خوفي من ملعوب وضيع أراه يتضح شيئا فشيئا. خذ هذه اللقطات العابرة: - في يوم 6 إبريل نشرت عدة صحف أن رامي لكح أحد أذناب مبارك أعلن أن "عمر سليمان هو مرشحنا في انتخابات الرئاسة لأنه حمى الثورة". وفي التفاصيل يذكر لكح بأن الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية (هل سمعت بهذا الحزب من قبل؟) تتجه لاختيار سليمان مرشحا رئاسيا، لأنه حمى الثورة وألقى بيان تنحي مبارك رغما عن مبارك نفسه!!
- في يوم 9 إبريل نشرت صحف أخرى (يمكنك التأكد من ذلك بالبحث على جوجل) أن ساويرس رجل الأعمال الذي يعد من علامات عصر مبارك أيضا صرح بقوله "عمر سليمان أفضل من المتطرف خيرت الشاطر". صحيح أن الرجل قال إنه كان يفضل البرادعي وإنه لا يرى اختيار سليمان قرارا صائبا لكنه على أي حال أفضل من الشاطر المتطرف.
- اليوم 14 إبريل فوجئت بأخبار ومانشيتات كثيرة تتحدث عن زيارة عمر سليمان للأنبا باخوميوس القائم مقام البطريركي لشئون الكنيسة الأرثوذكسية بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ونقلت الصحف أنهما تحدثا عن البابا شنودة الثالث والشئون العامة الراهنة. أتصور أن يستقبل الأنبا باخوميوس عددا من مرشحي الرئاسة في إطار البروتوكول السياسي المعروف، حيث يزور كل مرشح عددا من المؤسسات الوطنية المهمة، لكنني مع ذلك أشعر بدهشة شديدة من استقبال قداسة الأنبا لأحد مجرمي عصر مبارك حتى إذا كان مرشحا للرئاسة، لأن فكرة أننا نقف من جميع المرشحين على مسافة واحدة تصبح مقبولة في إطار المرشحين المنطقيين للرئاسة، وليس عمر سليمان طبعا.
بعيدا عن نظرية المؤامرة التي أصبحت نظرية طبيعية جدا هذه الأيام، لابد أن أتوقف قليلا أمام هذه الأخبار وأفكر قليلا: أولا سياقها الزمني ذو دلالة واضحة وتصاعد ملحوظ لا يسمح أبدا بأن أعتبر الأمر مجرد مصادفات متتالية لا تثير القلق، بحيث يبدو الأمر مرتبا بعناية ومتسلسلا في تتابع مدروس. ثانيا: بالنظر لمواقف كثيرة مشهورة لقداسة البابا شنودة الثالث الذي كان يؤيد جمال مبارك علنا ويمتدحه ضمن حملة ترويج واسعة لجمال باعتباره قائد المرحلة القادمة؛ بالنظر لمواقف البابا تلك، ينبغي أن نشعر بالكثير من القلق، ليس من نوايا أي من هؤلاء، بل من طبيعة رؤيتهم للعمل السياسي وعلاقة العمل الديني به. أريد هنا أن أسارع إلى نفي اتهام البابا الراحل بأي تهم تمس نواياه، سأعتبر ببساطة أن قداسة البابا كان شديد الحرص على أبنائه المسيحيين، وأنه كان يرى في تأييده العلني لجمال مبارك ضمانا وحماية لهم من بطش مبارك أو جمال؛ هنا ستكون المشكلة في أن البابا اتخذ موقفا سياسيا بحتا بحسن نية دون أن ينتبه إلى أن ذلك يخرج به من إطار دوره الديني المقدس إلى دور سياسي دنيوي لم يكن مؤهلا له بطبيعة سنه وخبرته السياسية.
النتيجة التي أصل إليها الآن وأرجو أن أكون مخطئا تماما هي أن ثمة محاولة ممنهجة لدفع الكتلة المسيحية (التي لا يستهان بها) لاختيار عمر سليمان خوفا من فوز الشاطر أو أبو إسماعيل. هذه ألعوبة قميئة تتكئ على تخويف الناس وإرعابهم من خطر مجهول لهم ثم توجيههم إلى الوجهة المطلوبة التي تندفع الناس لها بدافع الرعب أكثر مما هو دافع القناعة.
السؤال الآن: أليست هناك بدائل مدنية بعيدة عن المرشحين الإسلاميين؟ أنا شخصيا لن أنتخب حازم أبو إسماعيل الذي أحترمه جدا وأقدّر ثباته على مبادئه لكني أختلف معه تماما، كما أنني لن أنتخب الشاطر خيرت الذي لا أحترمه ولا أتفق معه في شيء، لا هو ولا ذراعه السياسية ولا حتى صوابعه السياسية التي فرحتُ كثيرا لفوزها في انتخابات مجلس الشعب، وكتبتُ أهنئها بفوزها، لكنها أصابتني بالغثيان من شدة انتهازيتها السياسية وتواطئها، الذي جعل جريدة الحرية والعدالة الذراع الإعلامية للإخوان المسلمين تصف في عدد السبت 21 يناير 2012 تظاهرات 25 يناير الجميلة بأنها مخطط لإثارة الفوضى بارتداء قناع "بانديتا" والملابس السوداء التي يشتريها النشطاء من المحلات التي تبيع ملابس عبدة الشيطان، ويمكنك أن تقارن هذا الهراء بالهراء الذي نشرته الجمهورية الذراع الإعلامية لمبارك عن مخطط حرق مصر والفوضى... هذه التحولات في مسار الجماعة ارتبطت مباشرة بمصالحها مع المجلس العسكري المجرم. كما يمكنك أيضا أن تضحك طويلا من الرجل المسمى صبحي صالح، الذي لم يخجل من نفسه بعد أن اقترح تكريم المجلس العسكري في الذكرى الأولى للثورة، ثم وقف يوم جمعة حماية المصالح منددا بالمجلس العسكري الذي "حلق" للإخوان ولم يمنحهم ما يشتهون من حكومة ومناصب. الحديث عن تواطؤ الحرية والعدالة سياسيا وارتمائه تحت أقدام العسكري وتخوينه صراحة للثوار وتطاوله عليهم أمر مقزز يدفع الكثيرين مسيحيين ومسلمين لاختيار أي مرشح آخر خلاف مرشحهم، لكن يبقى السؤال المهم: لماذا عمر سليمان؟ أين ذهب حمدين صباحي مثلا؟ وأين أبو الفتوح وخالد علي؟
أرجو أن ينتبه إخوتي المسيحيين إلى أن الحياة فيها بدائل كثيرة جميلة، بعيدا عن الذراع والصوابع التي سرقت ثورتنا.