أمام موظف التوثيق بتكشيرته الرسمية .. توقفت مرار أمام صيغة التوكيل التي كنت أكتبها لبثينة كامل .. الورقة مكتوب فيها : أقر أنا المواطن (مساحة بيضاء) أنني أرشح السيد(مساحة بيضاء) .
حتى صيغة التوكيل لا تعترف بإمكانية ترشح سيدة لرئاسة الجمهورية من حيث المبدأ .. يجب أن يكون سيدا وليس سيدة بغض النظر أي معايير أخرى .
ذكرني النموذج المتحيز بفيديو على اليوتيوب يتناقله الناشطون مدته حوالي تسع دقائق يضم مقاطع من عدد من الدعاة الدينيين المشهورين يتحدثون عن فريضة (ضرب الزوجة في الإسلام) .. كل واحد من هؤلاء الدعاة يتفوق على الآخر في المزايدة على جعل ضرب الزوجة حقا مطلقا من حقوق الزوج .. بل ويتفنن كل منهم في تبرير هذا الحق .. أحدهم يقول بصريح العبارة : "الزوجة تعتبر أسيرة في بيت زوجها" .. والآخر يروي قصة (بالتأكيد كاذبة) عن صحابي جليل وأحد المبشرين بالجنة بأنه كان إذا استبد به الغضب من زوجتيه يقوم بربط شعر إحداهما في الأخرى .. و"ينزل فيهم ضرب بالعصا" أو كما قال الشيخ "فين يوجعك" ..وداعية آخر يروي قصة عن صحابي آخر كانت زوجته سيدة فاضلة تطيعه ولكنه جاء إليها في يوم وضربها .. ليه يا عم الحاج .. لأنه كره أن يكون هناك أمر بذلك في القرآن ولا ينفذه .. وداعية آخر يرى في الأمر الإلهي بضرب الزوجة "تكريما"لها (أي والله قال تكريما لها) وتكريس لحق القوامة الذي هو حق أصيل للزوج .
أصابني الغثيان من هذا الفيديو السخيف الذي يستفز أي رجل يقدر قيمة الرجولة وأي مسلم يفهم معنى الإسلام الذي جعل المودة والرحمة أساسا للعلاقة بين الزوجين .. ولكن هذا الفيديو للأسف لا ينفصل عن حالة من الردة تحدث في المجتمع تحقر من شأن المرأة وترى في هذا التحقير تكريما لها .. ردة يقودها تحالف "البيادة والدقون" .. يفخر الثوار بمشاركة أمهاتهم وأخواتهم في الثورة .. يقولون إن مصر أنجبت نساء تساوي الواحدة منهن 100 رجل من أهل الكنبة والعباسية .. ولكن الكوكتيل العجيب الذي يحكم مصر ويشدد قبضته عليها لا يرى ذلك .. كوكتيل العسكر والمتشددين دينيا يستطيع أن يحترم المرأة ويذكرها بالخير طالما أنها خلف جدران البيت أو قضبان النقاب .. ولكن تصدرها الصفوف أمر مزعج لهما معا .. تماما كما تزعجهما فكرة الحرية التي هي بالنسبة للفريق الأول ضد الإنضباط .. وبالنسبة للفريق الثاني ضد الدين
لا ينفصل هذا الفيديو عن نائبة إخوانية في مجلس الشعب تريد إلغاء قانون التحرش الجنسي لأن المرأة بتبرجها هي التي تكون مسؤولة عن إغواء الرجل .. أو تريد إلغاء قانون الشقة من حق الزوجة الحاضنة للأبناء لأن ذلك يخل بمبدأ قوامة الرجل .. أو نواب يطالبون بإلغاء قانون الخلع (الذي هو حق شرعي وديني للمرأة بصحيح السنة النبوية وفتوى الأزهر) لأن ذلك يتناقض مع الشريعة الإسلامية من منظورهم الضيق..لا ينفصل الفيديو عن جنود يضربون الفتيات في التحرير ويدوسون على أجسادهن بعد تعريتها فيجدون في القنوات الدينية من يبرر أفعالهم : "وهيا إيه اللي وداها التحرير".
عن نفسي .. قد لا أرى في بثينة كامل المرشح الأفضل في قائمة المرشحين ..هي وجه مناضل شريف عارض بعنف نظام مبارك .. وكانت جزءا من أي مظاهرة أو وقفة إحتجاجية حتى لو كان عددها خمسة أشخاص .. لم تتأخر يوما عن دعم المستضعفين والمضطهدين من ناشطي سلم النقابة .. لم تخف يوما من إعلان مواقفها "وأن تقول للغول عينك حمرا" عندما كان أشجع الرجال في صفوف المعارضة يأخذون مواقف مائعة متخاذلة .. تمتلك الحماس والشجاعة والإخلاص .. ولكن كل هذا في حد ذاته لا يكفي لأن تحصل على صوتي في الإنتخابات الرئاسية.. ربما يوجد من يفوقها خبرة في الشؤون الخارجية أو العمل السياسي .. ربما يكون صوتي عندما يحين موعد التصويت لغيرها إذا وجدت من هو أكفأ .. ولكنني أعتقد أعتقادا جازما بأنه من العار أن تصدر القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة دون أن تتضمن ممثلة عن نساء مصر اللائي يتعرضن حاليا لهجمة شرسة ضد كل الحقوق التي حصلن عليها في مئة عام ..
لهذا السبب .. أمسكت نموذج التوكيل المطبوع .. وأضفت بقلمي التاء المربوطة بجوار كلمة "السيد" ثم وضعت إسم بثينة كامل كمرشحة لرئاسة الجمهورية