لم يكن للإخوان فى ميدان التحرير وفى شوارع وميادين مصر المختلفة وطوال أيام الثورة الحرجة وخاصة أيام الاعتصام الأولى التى انتهت بإسقاط المخلوع أية ميزة ،وكما يقول أهل السينما إذا جاز التعبير لم يكن لهم"ظهور خاص" فى المشهد الثورى العام ،وكانت حالة الإنصهاربين مكونات المجتمع المصرى فى أصفى درجاتها حتى استحقت الثورة عن جدارة لقب ثورة شعب ولم توصف أبدا بأنها"ثورةإخوان"فضلا عن عدم تجرئهم وقتها كتنظيم أو حتى كأفراد أن ينسبوا لأنفسهم فضلا عن غيرهم من بقية القوى المختلفة التى صنعت الثورة وغامرت وقدمت أرواحها من أجل غد أفضل يتسع للجميع ،بل ظلوا منكمشين داخل الجموع مرددين هتافات الثورة كغيرهم ،ولم يكن لهم هتاف خاص – مع تسلمينا بحقهم فى ذلك – كشعار " الله اكبر ولله الحمد " الذى رددوه لحظة دخول الكتاتنى المجلس فرحا بلحظة التمكين ، بل ربما كان الأمر على العكس فى كل مرة إذ حرصت الجماعة قيادة وأفرادا طوال الوقت على التأكيد على هذا التلاحم ونفى ما يخالف ذلك ،فلماذا لم يعد المشهد الآن يتسع إلا للإخوان ؟! هل قام الإخوان بالثورة والناس نيام ؟ أم كان فيلم يناير بطولة مطلقة للإخوان بينما كان الشعب والقوى الوطنية المختلفة عبارة عن "مجاميع " . نعم حصلوا على الأغلبية فى انتخابات البرلمان لكن الدستور أمر مختلف فهو القضبان التى يتم تثبيتها بعنايةعلى الطريق لكى يسير عليها قطار الدولة ولا يمكن العبث بها حتى لا ينقلب القطار ،كما أن مسألة تشكيل لجنة لوضع دستورمصر بعد الثورة تعد المرآة الحقيقية التى ينعكس عليها نجاح الثورة فى تخليص الشعب من عقد التهميش والإقصاء . وعلى ذكر التهميش والإقصاء والنفى والاستبعاد والظلم فهناك احتمالان :إما أن يكافح ذلك الطرف الذى عانى من كافة صنوف الظلم ليمنع الظلم عن الجميع بعد أن ذاق مرارته وتجرع علقمه ،إما أن يتحول الإقصاء والنفى إلى عقدة نقص تحكم سلوك وتصرفات ذلك الطرف ..فهل خرجنا من استبداد " الوطنى" إلى "استبداد "الإخوان ؟!..ثم هل يمكن أن يصل الاستبداد بنا إلى درجة الاستيلاء على الدستور الذى يعد وضعه والمشاركه في صياغته حقا أصيلا وبديهيا لكل فئات الشعب ونتيجة شبه طبيعية لثورة عظيمة مثل ثورة يناير . واسمحوا لى أن أسال بسذاجة – وكأنى مش فاهم – كيف..؟! وبعد ثورة مشهودة وملهمة كثورة يناير التى عزف فيها الشعب المصرى بكل أطيافه وطوائفه وبكل طبقاته وتنويعاته الإجتماعية والمعرفية لحن الوحدة والتقارب والانسجام ،وصنع ملحمة من التواصل والتلاحم فى ميدان التحرير أن تحرم فئة من فئاته من المشاركة فى وضع دستورالوطن ودستور الثورة ، كيف للجنة دستورمصر الجديدة أن تخلو من أسماء مثل : محمد البرادعى بقامته وقيمته على المستويين المحلى والدولى أو دكتور مثل حسام عيسى ،إبراهيم درويش ،أحمد زويل ،محمد غنيم ،علاء الأسوانى ،عبد الحليم قنديل ،بهاء طاهر، سيد حجاب ،محمود ياسين وغيرهم كثير. إن لوضع دستور الثورة وجها معنويا أو شرفيا إذا جاز التعبير لا يجب إغفاله بجانب البعد العملى والإجرائى ،فالأمرلا يتوقف ويجب ألا يتوقف لحظة اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية عند حد اختيارأصحاب الخبرات والكفاءات والمعرفة بشئون القوانين والدساتير ..إلخ فهؤلاء كثيرون، ولو أن كل ما يشغلنا هواختيار أى 100مصرى لما كانت هناك أزمة ،ولكن المسألة فى نظرى ليست "بالكيلو" فلابد أن ينظرللعضو بجانب الكفاءة والقدرة والصلاحية وبصرف النظر عن اسمه إلى ما قدمه من فكر أو علم أو فن أوإبداع لوطنه وللإنسانية، وهل هناك خلاف على أن عضوية اللجنة التأسيسية وفضلا عن ضرورة توفر الكفاءة لصاحبها فإنها أيضا شرف وتاريخ يكتب بحروف من النور فى كتاب الزمان لصاحبها.وهناك من القامات الكبيرة التى يجبرنا تاريخها وما قدمته فضلا عن أهليتها لهذه المهمة على ضرورة ضمها تشريفا لها وللجنة. وهى زاوية أردت الإشارة إليها لثقتى واعتقادى بإهمال البعض لها والتركيزعلى التفاصيل الأخرى ، وفى ذهنى حادثة اختلاف القبائل فى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حول أحقية كل قبيلة فى نيل شرف وضع الحجر الأسود فى موضعه من الكعبة وكان ذلك بعد أن تشاركوا جميعا فى إعادة بناء البيت العتيق وترميمه، وكان ذلك قبل بعثة الرسول ،فحينها وكما نعرف جميعا قرروا الاحتكام إلى أول رجل يدخل عليهم الحرم فكان الرسول الكريم الذى قضى بما أرضى الجميع حيث فرش رداءه على الأرض ليضع عليه الحجر ثم أمر بأن تحمل كل قبيلة طرف الرداء ليتشارك الجميع فى وضع الحجر الذى ما إن وصل إلى موضعه فى الكعبة حتى حمله النبى ووضعه بيده وهكذا لم يمنع قبيلة ولا بطن من بطون مكة من المشاركة فى هذا الحدث الجلل رغم اضطلاع قبائل بعينها بأمر السقاية والرفادة وتخصصهم وقتها برعاية الحجيج،وربما كان من حقهم حينها بحكم مكانتهم من البيت العتيق أن يطالبوا بالإنفراد بوضع الحجر لكنهم كانوا يعلمون جيدا بل ويؤمنون بأحقية كل القبائل فى نيل هذا الشرف باعتبارهم جميعا أبناء اسماعيل وإبراهيم . ؛ وأعتقد أن ما يعنينا من المثال أو الشاهد فيه كما قلنا هو ضرورة التأكيد على أن الدستور عقد مقدس يجمع كل أطياف المجتمع ،ولكل حق فيه وهو أمر يجب ألا يخضع أبدا لفكرة الأغلبية ؛فإخوانى اليوم قد يصبح يسارى الغد ويسارى اليوم قد يتحول إلى سلفى الغد والقلوب والأفكار والآراء تتغير أما الدستور فهو ثابت وتغييره أمر مرهق ، ونحن طبعا وبلا شك نحتاج لدستور يعبر عن كل مصرى ؛المعلم والمحاسب والتاجر والبائع المتجول والمبدع والقاضى والمسيحى والمسلم والرجل والمرأة والعجوز والطفل والعامل والفلاح إنه دستور كل مصرى يعيش على أرض هذا الوطن لذلك فمن حقنا جميعا أن نحلم بلجنة تمثلنا وتعبر عنا وعن أحلامنا وتوجهاتنا وأفكارنا ويكفى وعلى سبيل المثال لا الحصر أن نرى اللجنة تخلو من أسماء أدباء وكتاب عظام رشحها إتحاد كتاب مصر مثل : جمال الغيطانى ،وبهاء طاهر ،وغيرهما فهل يعقل أن يصل الأدب المصرى إلى نوبل وأن نكون وطن "الكاتب الجالس القرفصاء "ثم تأتى الثورة العظيمة التى تطمح إلى بناء مصر المبدعة لتخلو لجنة دستورها من كتاب كبار وقامات إبداعية كبيرة مثل هؤلاء ،فضلا عن كارثة أن تضم اللجنة عددا من النساء لا يليق أبدا بما قدمته المرأة المصرية الشجاعة فى الثورة ولا إلى نسبتها فى المجتمع ،وكذلك الأمر بالنسبة للشباب والأقباط نحن نريد لجنة تكون صورة مصغرة أو نموذ ج من شعب ميدان التحرير لجنة تأخذ بجانب معيارالعلم والكفاءة والخبرات والمعارف الضرورية لمثل هذه المهمة بمعيار التنوع الذى جسدته ثورة يناير وقدمه ميدان التحرير حتى يخرج الدستور أيضا نسخة من دستور دولة الميدان ذلك الدستور الذى صاغة الشعب بفطرته فكانت مواده الأساسية التعايش والتعدد والتنوع ،وقبول الآخر، وإقرارالمواطنة والحريات والحقوق والواجبات ...باختصارنحن نريد لجنة تشبه شعب دولة التحرير ودستور يشبه دستور الميدان ..