أصرت جماعة الاخوان المسلمين بعد الثورة مباشرة ، علي عدم الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ، و أكد أغلب قادتها أنهم لن يرشحوا أحدا لهذا المنصب ، و أن من سيخالف قرار الجماعة سيتم فصله ، لذلك فان عبدالمنعم الفتوح عضو مكتب الارشاد السابق كان أول ضحايا هذا القرار . استجدت ظروف و توالت الأحداث و تراجعت الجماعة عن موقفها الذي اتخذته و أصرت عليه ، ليواكب قرارها مستجدات الأوضاع ، فاضطرت لترشيح أحد أعضائها لمنصب الرئيس ، مصححة بذلك – في رأيي – قرارها السابق بعد الدفع بمرشح لهذا المنصب الكبير ، و رغم انها كانت تحاول طمأنة المجتمع الدولي بأنها لا تسعي للوصول الي الحكم فان رسالتها وصلت ، اضافة الي أن مالاقته الجماعة من الغالبية الساحقة من القوي السياسية و النشطاء المستقلون من هجوم غير منطقي و بسبب و بدون سبب ، يفرض عليها التنبه الي محاولات القضاء عليها ليس من السلطة الحاكمة و التي هي امتداد لنظام مبارك و حسب و انما من النخبة التي بدا عليها نزعة فاشية رغم انها تنادي بالحرية لكنها تريد قمع التيارات الاسلامية ، و في النهاية فان ممارسة تيار سياسي اقصاء لنفسه من حق هو أصيل بالنسبة له ، طمأنة لتيارات سياسية أخري مفككة و مشتتة و هلامية ، لايجوز في عصر ينادي بالحرية ، اذن قرار الجماعة بالدفع بمرشح رئاسي لها يأتي استغلالا للفرصة و الظرف و التاريخي ، فالجماعة التي نالت أكثرية في البرلمان بغرفتيه شعب و شوري ، تجد أن الحرب عليها تشتد و ربما تكون نهايتها اقتربت خاصة اذا جاء رئيس من المحسوبين علي النظام السابق و بالتأكيد سيكون مدعوم و بقوة من القوات المسلحة ، و أيضا من النخبة الاعلامية و الفكرية التي لا تريد أن تقوم للجماعة قائمة .
و بما أن الاخوان تسبب الظرف الراهن في جعلهم يتراجعون عن قرار اتخذوه سابقا – وهو حقهم بالتأكيد – فان المجلس العسكري الحاكم أيضا أصبح مبررا له التراجع عن نفس الوعود التي اتخذها من قبل و هي عدم ترشيح أحد أعضائه لمنصب الرئيس . و لم لا ؟! فالجماعة ذات الأكثرية و التي كانت تصر وبقوة علي عدم الدفع بمرشح لها ، و تسعي الي تطبيق الشريعة الاسلامية ، تراجعت في قرارها ، لصالح الثورة و لشعورها بمحاولة لاجهاضها ، فان المجلس العسكري الحاكم أيضا سيتراجع عن وعوده و قد يدفع برئيسه المشير حسين طنطاوي أو نائبه الفريق سامي عنان الي منصب الرئاسة ، أيضا لصالح الثورة و الدولة ، و سيكون المبرر مقبولا و بشدة لدي الرأي العام ، فالجيش لازال يعتبره كثيرون حامي الثورة و خالع حسني مبارك و الضمانة لاستقرار الأوضاع و معروف توجهاته الدولية و علاقته الخارجية ، اضافة الي أن هناك كثير مما تسمي بالقوي المدنية و الليبرالية ستدعم هذا التوجه بحجة حماية الدولة المدنية من التيارات الاسلامية التي استأثرت في نظرهم بالمجالس النيابية و النقابات و كل تشكيل منتخب في هذا الوطن ، و قريبا قد نجد من النخبة من يبارك هذه الخطوة ، لأنها أصبحت مقبولة بعد دخول الاخوان السباق و نقدها لم يعد مبررا ، ففي النهاية من حق أي مواطن مصري مدنيا كان أم عسكريا أن يمارس حقه السياسي ، و أن يطرح نفسه لتمثيل الشعب المصري . اضافة الي أن الهجوم الواسع علي قرار الاخوان بدخول انتخابات الرئاسة ، سيجعل الهجوم علي قرار المجلس العسكري بدخول نفس السباق أقل و ربما غير مبرر ، لأنه سيعد بمثابة اقصاء لمواطنين بحجة انتمائهم لمؤسسة هي في النهاية مؤسسة وطنية مخلصة و بالتالي فان الهجوم وقتها سيكون غير مجدي و غير مفيد .
و الواضح في هذه اللعبة التي بدأت تتكشف خيوطها ، أنها مرسومة و بدقة و منذ فترة كبيرة ، و قد يبلغ بي الشطط في القول أنها قد تكون من مرسومة من قوي عالمية منذ سقوط حسني مبارك ، و علينا تذكر جولة المشير طنطاوي في وسط القاهرة و هو يرتدي بزة مدنية ، ومطالب بعض الكتاب و قتها بترشيحه للرئاسة ، ثم السؤال الذي يجب أن يتساءله الجميع هو هل رتب المجلس العسكري الحاكم هذا المشهد السياسي الكامل البالغ التعقيد و ظل يتابع و يشاهد القوي السياسية و هي تتصارع تارة علي التعديلات الدستورية و مرة علي الانتخابات و أخري علي الدستور لينتظر في النهاية و يقول كلمته كما انتظرت جماعة الاخوان أيضا لنهاية فترة الترشح و أعلنت نيتها خوض الانتخابات الرئاسية . فالمتابع لتسلسل الأحداث في المرحلة الانتقالية يري أن عدم البدء باعداد دستور جديد من قبل جمعية تأسيسية منتخبة رغم اسقاط الدستور السابق و اصدار اعلان دستوري مؤقت ، انما كان هدفه شق الصف الوطني و الثوري ، وبدأ الصراع حول المادة الثانية من الدستور و هوية الدولة ، و للأسف فان البادئ في الصراع وقتها كانت قوي تسمي نفسها مدنية ، و هو ما أحدث الاستقطاب الحاد بعد ذلك و قسم قوي الثورة الي فريقين أحدهما اسلامي يقود الشارع و الأخر ليبرالي يسيطر علي الاعلام ، ثم ما أعقب ذلك من انتخابات مجلسي الشعب و الشوري ، ثم الصراع علي الجمعية التأسيسية للدستور من قبل أغلبية متحالفة مع بعضها ضد أقلية تحاول فرض رأيها و لفت نظر الشعب الي هذه الصراعات الطويلة و المستمرة و المنهكة للثورة رغم أنها صحية في النهاية لوطن يتطلع الي الحرية .
تلي ذلك صراع الانتخابات الرئاسية ، و الذي دخله عمرو موسي و حازم صلاح أبوسماعيل المؤيد و بقوة من قطاع شعبي واسع أساسه التيار السلفي ، و هنا يجب التذكير بتلك الأقوال التي ترددت عن أن هناك تعليمات لمكاتب التوثيق العقاري بتسهيل استخراج التوكيلات لأبواسماعيل و في النهاية حصوله علي عشرات الألوف و تقدمه للجنة الانتخابات الرئاسية ب 160 ألف توكيل مصحوبا بحملة دعائية غير مسبوقة ، أصبحت حديث الشارع المصري ، اذن السؤال هو هل يعد هذا التصعيد الكبير لحازم صلاح أبواسماعيل كمرشح مرفوض من القوي المدنية و مزعج لقوي اقليمية و علي رأسها الكيان الصهيوني و العالمية و علي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، رسالة من المجلس لهذه القوي بان الرئيس المصري الجديد سيكون متشددا لذلك نحن الأصلح و الأضمن لكم بمنصب الرئاسة .
أيضا لماذا تم اعلان العفو السياسي عن أيمن نور زعيم حزب غد الثورة رغم أن محكمة النقض و هي أعلي سلطة قضائية مصرية رفضت التماسه لاعادة محاكمته في تهم تزوير توكيلات حزب الغد في عهد النظام السابق ، تلا هذا الاعلان عفو المجلس العسكري عن خيرت الشاطر نائب المرشد العام للاخوان المسلمين ، و هو ما دفعه للترشح لرئاسة الجمهورية فيما بعد ، و بذلك فان المجلس العسكري أبعد بهذا عن نفسه تهمة الصفقة مع جماعة الاخوان المسلمين لأنه عفا عن شخصين أحدهما رفضت النقض اعادة محاكمته ، و بالاضافة الي ذلك فانه دفع الاخوان الي ترشيح الشاطر ، و هو ما أثار جدلا واسعا و لازال في الأوساط السياسية الداخلية و الدولية أيضا . ثم أن التهديد المتكرر بترشيح عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع و هو مكروه لدي قطاعات عريضة من الشعب ، قد يكون تبريرا لترشيح قائد من المجلس العسكري و سيكون بالتأكيد أكثر قبولا من سليمان .
و بالتالي فان المجلس العسكري يكون قد أحبك اللعبة و اقترب من ايصالها لنهايتها فاذا كان الاخوان قد أعلنوا عن مرشح لهم قبل وقت قصير من اغلاق باب الترشح للرئاسة ، في مفاجأة لفتت الأنظار ، فان المجلس العسكري أيضا قادر علي تقديم مفاجأة ستكون أقوي من مفاجأة الاخوان ، وهي استقالة طنطاوي أو سامي عنان ليصبح شخصا مدنيا و مرشحا رئاسيا و ليس أسهل علي المجلس العسكري من خلال القوي المتحالفة معه في جمع 30 ألف توكيل من عدة محافظات في يوم فقط ، و ارسالها للقاهرة لدعم المرشح الجديد ، أو أن يحظي هذا المرشح بدعم حزب من المحسوبين علي فلول النظام السابق و له عضو في مجلس الشعب ، و بالتالي فان الأيام القليلة المقبلة ستشهد مفاجأت قد تقلب العملية السياسية في مصر برمتها . للتواصل مع الكاتب : http://www.facebook.com/ahmed.k3oud