ليس في مصر فقط، ولكن نقاد السينما في كل مكان مكروهون من السينمائيين والمشاهدين. في صحيفة «الجارديان» البريطانية قرأت مقالاً لناقد سينمائي يروي فيه كيف أن رئيس تحرير إحدي الصحف الكبري رفض تشغيل ناقد شاب لأنه «يعرف أكثر مما ينبغي عن الأفلام».. وهو ما يتعارض مع الطبيعة الخفيفة للنقد الصحفي الذي يوجه لجمهور الأفلام التجارية. وعلي أحد مواقع الإنترنت المخصصة لنقد الأفلام قام مؤسساه بتخصيص صفحة لما أطلقا عليه «رسائل الكراهية» التي يبعث بها قراء الموقع.. وهذه الرسائل لا تختلف كثيرا عما يكتبه القراء المصريون تعليقا علي مقالاتنا عن الأفلام من نوعية: «كيف تجرؤ علي مهاجمة النجم الذي نعشقه» و«لماذا لا ترينا مهارتك وتصنع فيلما مثله؟» و«لماذا لا تستمتع بالأفلام مثل باقي خلق الله بدلاً من هذا النقد البارد؟» أو العكس «لماذا تبحث عن المتعة في هذا الفيلم الفكري العميق؟». وفي الكتاب الرائع الذي يضم حوارات الناقد والمخرج الفرنسي فرانسوا تروفو مع المخرج الكبير ألفريد هيتشكوك يقوم تروفو، الذي كان قد ترك النقد وأصبح مخرجًا، بمهاجمة النقاد ويتهمهم بأنهم محدودو النظر بينما يدافع عنهم هيتشكوك الذي طالما ظلم النقاد أفلامه وأساءوا تقدير موهبته، وبطريقته المعهودة يسأل هيتشكوك تروفو «ألم تكن أنت نفسك ناقدًا؟» قبل أن يستطرد أمام تلعثم تروفو: «لقد كنت ناقدا جيدا»...وبالطبع كان نقد تروفو هو الذي لفت انتباه العالم إلي أهمية سينما ألفريد هيتشكوك...والنقاد بعد ذلك هم الذين كشفوا للعالم عن مواطن الجمال والبراعة في أعمال تروفو وزملائه من مخرجي «الموجة الجديدة» في فرنسا. السينمائيون «المثقفون» هم للأسف أعدي أعداء النقد وهذه العلاقة الشائكة بينهم وبين النقاد أراها في ردود أفعال عدد من المخرجين المصريين الذين يشعرون بأنهم أفضل من النقاد لأنهم قرأوا كتابين أو ثلاثة وشاهدوا فيلمين أو ثلاثة ينقلون منها أعمالهم الضعيفة أو المتوسطة، وقد قال أحدهم مرة، في معرض رده علي ما كتبته عن أحد أفلامه أن المخرج كالطبيب والناقد كالمريض ولا يصح أن ينصح المريض طبيبه بالكيفية التي يعالجه بها! ومن حيل هؤلاء جمل جاهزة يردون بها علي أي نقد لا يعجبهم لا تختلف كثيرًا عن تعليقات الجمهور المكتوبة أعلاه، وهم للأسف يجدون ما يشجعهم علي ذلك لأن النقد في مصر «مريض»، رغم أنه ليس أكثر مرضًا من السينما التي يصنعونها. أما أسباب مرض النقد فمنها عدم التمييز بين الناقد الصحفي الذي يكتب المراجعات النقدية السريعة والناقد الأكاديمي الذي يحلل فنيات العمل ومضمونه وسياقه الاجتماعي والفكري وفقًا لرؤية متكاملة للعالم وتاريخ السينما والفن، بل وعدم التمييز بين الناقد والصحفي الفني أو أي صحفي.. وقد تعجبت أيما تعجب في الأسبوع الماضي عندما علمت أن نقابة الصحفيين أهدت درع النقابة لصناع فيلم «أمير البحار»، ليس لإنجازهم الفني بالطبع ولكن لأنهم تكرموا بعرض الفيلم مجانًا للصحفيين وأسرهم.. ولا تعليق!