عمر حاذق هذا المجلس العسكري بدأ يفقد "الحبة اللي فاضلين له"، حبة الاحترام، أو حبة العقل، أو حبة الإنسانية أو حبة الإحساس أو يمكن حبة البركة لا أدري.. جميع هذه "الحبات" تتلاشى الآن، ليتعرّى -تماما- هذا المجلس المحتل البغيض. كان معلمهم المخلوع أذكى منهم، فلم يكن يفكر في محاكمة معارضيه بتهم كهذه "إهانة المؤسسة العسكرية، إسقاط الدولة". كان المعلم مبارك -رغم غبائه التاريخي- أذكى من صبيانه، فكان يخترع تهما مثل: الإساءة لسمعة مصر الدولية، أو يُجهد رجاله في التخطيط لصفقات محكمة مثل الاستيلاء على جريدة الدستور وطرد إبراهيم عيسى منها بشكل يبدو قانونيا محبوكا. أما هذا المجلس الذي يحتل بلدنا فلا يستحي من توجيه تهم مثل "إسقاط الدولة". لم يفكر الجنرالات أن اتهام مجموعة أشخاص بتهمة كهذه يعني أنه لا دولة لدينا أصلا، لأن الدول الحقيقية لا يمكن أن يسقطها أحد، ولا حتى جيوش كاملة. لنفكر معا بهدوء: ما معنى أن يسارع النائب العام لتحويل البلاغات المقدمة ضد الأسواني وفودة ونوارة وغنيم وغيرهم، للنيابة العسكرية؟ بهذه السرعة؟ وما معنى أن تمر أيام معدودة على كارثة هروب المتهمين الأمريكيين، التي هي إسقاط للدولة فعلا، ثم لا يخجل المجلس العسكري من اتهام معارضيه بإسقاط الدولة؟ قل لي أولا صديقي القارئ: هل أنت مصري؟ لا تقل لي أنا مصري وأبويا مصري كما زعمت أختك نانسي (ربما يفوز الإخوان في البرلمان اللبناني فنكتشف أن أختنا نانسي كانت إخوانية في السر)، أنا أقصد بسؤالي: هل تعيش في مصر؟ هل تحس بمدى الانفلات الأمني وانتشار البلطجة والسرقات الممنهجة؟ هل سمعت أن مبارك قرأ شعرا في محاكمته "بلادي وإن جارت عليّ عزيزة...."، وأن حبيب العادلي ألقى مرافعة أمام المستشار أحمد رفعت، وقاطعه أفراد الشرطة الموجودون في القاعة بتصفيق حاد أكثر من مرة؟ هل سمعت أن طائرة عسكرية أمريكية نزلت في مطارنا دون تصريح لتحرر مواطنيها المتهمين؟ هل قرأت مثلي عن أهالي قرى يقطعون الطرق والسكك الحديدية يوميا لانعدام الأمن أو لانعدام أنابيب البوتاجاز؟ هل تابعت شيئا من جلسات مجلس الشعب وشاهدت النائب الذي دعا لغلق الفيس بوك لأنه يتضمن إساءات للنبي ص، أو نائب لجنة التعليم الذي اعتبر تعليم الإنجليزي مخططا خارجيا، أو النائب الذي خاف من تجميل أنفه فأبدع رواية بوليسية محكمة؟ بلاش يا سيدي، هل تذكر أنك قرأت أو سمعت عن دولة حقيقية يشرف قيادات أمنها على مذبحة لقتل عشرات الشباب بعد مباراة خسرها فريقهم؟ وهل تتصور أن يرد برلمان الثورة بتكوين لجنة تقصي حقائق سينتهي عملها حين ينسى الجميع دماء هؤلاء الشباب، مثل لجنة البرلمان المخصصة لأحداث محمد محمود حيث اكتفت بتحميل المسئولية لوزير الداخلية..... وبعد كل ذلك يريد الأسواني ورفاقه أن "يسقطوا الدولة"؟ يقطعهم!! منذ أكثر من 150 يوما ونحن "ائتلاف شباب مكتبة الإسكندرية" معتصمون بساحة المكتبة اعتصاما جزئيا للمطالبة برحيل أحد رموز الفساد في مصر: سراج الدين. كان بعض الزملاء تقدموا ببلاغات لنيابة الأموال العامة بالإسكندرية منذ فبراير 2011 فنامت عليها النيابة حتى أيقظها اعتصامنا في أكتوبر فبدأت تحقق، واليوم انتهت التحقيقات بصرف سراج الدين من سراي النيابة بعد دفعه مبالغ طائلة أهدرها من المال العام، منها مبلغ 96 ألف جنيه مرتبات لممرضات يتقاضين مرتبهن من المكتبة بينما يخدمن زوجته المريضة بمنزله، وبعد تسديده لمئات الآلاف من الجنيهات المهدرة، تم صرفه بكفالة 20 ألف جنيه عن 3 قضايا جنح لم يمكن قانونا تسديدها. تصور أنني كتبت أكثر من 15 مقالة موثقة بالمستندات تثبت إهدار عشرات الملايين من الجنيهات وتثبت قيام سراج الدين بدور كبير في التغطية على أنشطة الهانم وتحسين صورتها حتى بعد الثورة.... ورغم ذلك يخرج بكفالة ويُحال هؤلاء في لمح البصر من النيابة العامة، للنيابة العسكرية، للقضاء العسكري لمحاكمتهم عسكريا. أما تهمة "إهانة المؤسسة العسكرية" فلا أريد الحديث عنها لأن الحديث عنها يصعب أن يكون عقلانيا مهذبا. أخشى أن يكون المذاق الإسلامي المستوحى من مجلس الشعب قد أسبغ هالة التقديس على "أولي البيادات" حين أصر الإسلاميون على الثأر من زياد العليمي "غير المهذب" رغم أن تطاوله السخيف تم خارج البرلمان، فانجرحت وطنيتهم وأحاسيسهم الأخلاقية التي انتعشت بتطاول النائب الأفاق على مواطن مصري تحت قبة البرلمان نفسه. لا يشعر هؤلاء الإسلاميون أنهم مسئولون أمام الله عن دماء المواطنين الذين قتلوا ويقتلون بسبب منهجة البلطجة في الشارع المصري. أخشى أن يطالبوا بإيقاع أقصى العقوبات على الأسواني وفودة وغنيم ردعا لأي مواطن يوسوس له شيطانه بازدراء الذات العسكرية! أيها الجنرالات، البسوا بياداتكم واخرجوا إلى ثكناتكم، وبسرعة؛ بأسرع سرعة ممكنة، فالدولة فعلا آيلة للسقوط.