إذن أعلن البرادعي انسحابه من انتخابات الرئاسة وترك البعض يحتفلون والبعض ينعون والكثيرون يضربون أخماساً في أسداس. كرسي في الكلوب يا برادعي، وما الجديد؟ فالرجل فعلها من قبل عدة مرات ويبدو أن الكرسي ليس عزيزاً عليه وأنه لا يخاف على استقرار الكلوب. وبلا مزايدات، لم يكن البرادعي سيفوز على أية حال، فرؤيته لمصر الثورة وما بعد الثورة هي تهديد مباشر لمصالح من يريدون الحفاظ على النظام ومن يريدون الاحتفاظ بمكاسب لا يمكن أن تدوم في ظل بلد يتعلم ويتحرر وينهض. لم يكن سيفوز سواء الانتخابات مزوره أو حقيقية، فالعقول والضمائر مازالت مشوهة بعد عقود طويلة من التغييب. لم يكن البرادعي سيفوز إلا إذا فحص الجميع ضمائرهم واتفقوا على تغليب مصلحة الوطن الذي أراه الأفضل لتحقيقها. لكن وجود البرادعي في سباق الرئاسة كان هو الشيء الوحيد الذي يجمع كل المؤيدين للثورة، والنور الأخير الباقي في نفق يبدو أنه يشتد إظلاماً مع كل شهر يمر منذ الظهور الأخير لعمر سليمان والرجل الذي وراءه، ولذا يأتي انسحابه في وقت منطقي وحاسم، ولكنه يأتي أيضاً كدُش مياه باردة على وجوه الجميع. يقول البرادعي لمجلس العسكر: لقد حكمتم فأفسدتم، وفي ظل الموقف الذي وضعتمونا فيه عن جهل أو عمد والطريقة التي مازلتم تحمون بها النظام القديم وتعيدون خلقه، فلا جدوى من المشاركة في هذه المسرحية، الثورة مستمرة. يقول البرادعي للإخوان: هنيئاً لكم صفقتكم مع العسكر، كان الأمل أن تنحازوا في هذه اللحظة التاريخية إلى مصلحة الوطن، وأن تختاروا البقاء مع الثورة بدلاً من التفاوض حول مرشح يحمي مجلسهم ومجلسكم معاً، فلتطبخوها إذن، والثورة مستمرة. يقول البرادعي للنخب: دخلتم وتهتم في صراعات طفيلية وثانوية، وكان من الأولى أن تكون كلمتكم واحدة واختياراتكم واضحة، فمادمتم لم تتفقوا حتى الآن، فربما تفيقوا الآن على خسارتكم وحدود اختياراتكم في المرحلة القادمة. يقول البرادعي لشباب الثورة: بكل بساطة، الثورة مستمرة ولعل انتهاء حالة "المرشح المحتمل" تفتح الطريق أمام حالة القائد الفعلي المعلن لأحلام ثورة الشباب إن الأيام القادمة في اعتقادي ستشهد رد فعل سريع بطرح مرشح جديد بمباركة مبطنة من العسكر ومعلنة من الإخوان، مرشح يأملون أن يهدئ قليلاً من احباط هؤلاء الذين شاركوا في 25 يناير الماضي، والذين مازالوا بصدد اتخاذ قرار بشأن 25 يناير القادم. وفي تصوري، أنه بغض النظر عن انسحاب البرادعي من عدمه، فإن هذا المرشح العسكر-إخواني سيفوز، وأن التصور الأساسي لدوره هو أن يكون دور صوري يحافظ على واجهة الدولة ككيان ديمقراطي عصري ويحافظ على سلطة كل من له الآن سلطة مع التركيز على اصلاحات اقتصادية وخدمية. وبرغم أن هذا السيناريو في حد ذاته قد ينقلب على صانعيه، إلا أن انسحاب البرادعي الآن من هذه المسرحية يتيح الفرصة لبناء كيان معارض قوي يلعب دوراً أساسياً في مواجهة هذه الخطة سواء من خارج المجالس التشريعية في هذه المرحلة أو من داخلها في مراحل قادمة. لقد قال البرادعي كلمته بعد عام كامل من الثورة، وهو في رأيي قرار صحيح وفي موعده، والسؤال الآن هو عن أثر هذا القرار على شباب الثورة الذين يعتبرونه أباً روحياً لهم، وعلى القوى السياسية المتشرذمة التي من الممكن أن تصنع الفارق لو اختارت الآن أن تتحد في كيان معارض يعترف بوجود الآخرين ولا يهدأ حتى تكتمل الأهداف الحقيقية والكاملة لثورة 25 يناير فلينسحب البرادعي ... ولتستمر الثورة