كل الأحترام للدكتور البرادعى الذى آثر الأنسحاب من سباق الرئاسة الذى لم يرى له فائدة فى ظل استمرار نهج السياسة فى مصر على نفس طريقة الحكم المباركية، حتى اصبح الوضع هو مجرد استبدال مدير بمدير اخر وحزب بحز آخر! الشيئ المثير للحفيظة هو ان الناس لم تتوقف عند بيان الدكتور البرادعى ومعناه السياسي بل آثرت ان تفتش فى نية الرجل والصقت به تهم شتى، وكأن الرجل مكتوب عليه ان يبرهن عن كل تصرف ويثبت حسن نيته فى كل شيئ يفعله. وبصراحة، لا نية عندي للدفاع عن البرادعى او عن قرار انسحابه من سباق الرئاسة ولكنى اود ان القى الضوء على المسار السياسي الذى اوصلنا الى اقصاء الدكتور زويل وانسحاب الدكتور البرادعى وعودة الفريق احمد شفيق! ان المسار السياسي الذى نسلكه الآن هو بالضبط المسار السياسي الذى تحدث عنه مبارك حين قال انها مجرد ستة اشهر وتنتقل السلطة منه الى غيره فى موعد انتخابات الرئاسة المقبل الذى مر بنا فى شهر سبتمبر الماضى! والحمد لله ان الشعب كان على درجة عالية من الوعي فأفشل مسار مبارك وخلعه لكن للأسف بقية سياسته ولو بكفأة اقل. الشاهد ان ايام مبارك كان يتم شغلنا بالأجراءات حتى يصعب على رجل الشارع متابعة المشهد السياسي وتتوه منه الصورة العامة وتتحول الديمقراطية، التى هى عملية تنظيم ممارسة الحرية، الى مجرد آجراءات شكلية جوفاء من الداخل وبلا مضمون حقيقي! شيئ من هذا القبيل يحدث الآن، انشغلنا بالأجراءات فى كل شيء وانتهى المعنى من كل شيئ! كانت عملية الأنتقال الى المستقبل الذى انفتحت آفاقه امام مصر الثورة هو الشغل الشاغل لكل المصريين بعد نجاحنا فى أزاحة رأس النظام وعصابته، بكل ما يحمله من معانى مثل التغلب على دولة الفساد التى تركها مبارك، واعادة الهيبة للدولة عن طريق تطبيق القوانين على الناس كافة بالتساوى، واعادة مصر الى مكانتها الطبيعية فى المنطقة، والتصدى لأهدار المال العام وموارد الأجيال القادمة سواء بالنهب المنظم من بطانة السوء او بالتفريط و الأنبطاح لصالح اولاد العم! ثم تصحيح مسار الجمهورية المصرية بعد ان كادت تضيع ملامحها بالتوريث وتنتقل الى مصاف الجملوكية! وبدلا من الوقوف على هذه الملفات وغيرها فى محاولة لتقدير الموقف حتى يسهل علينا تحديد الأولويات التى يتعين على الثورة البداء بتغيرها، اذا بنا فى مسار عجيب شتت قوى الثورة، وقسم شبابها وتركهم آحزابا وءآتلافات (ناهيك عن شهدائنا)، وانشغلنا بتفاصيل، مثل الدستور اولا ام البرلمان؟ و هل الأعلان دستورى ام غير شرعي؟ ثم هل تجرى الأنتخابات البرلمانية فى موعدها فى مرحلة واحدة ام ثلاثة مراحل؟ وما هي نسبة القوائم و الفردى فى البرلمان؟ الخ من هذه الآجراءات التى ضيعت الصورة الكبيرة، حتى اوشك الناس ان يملوا من المسار السياسي بالكامل! فى هذا السياق، قد يرى البعض ان انسحاب الدكتور البرادعى من السباق امر مؤلم وموحش، ولكنى ارى ان انسحابه اعطى قيمة اضافية للرجل. موقفه هذا، اعطى دفعة قوية للعمل الثورى، وللشباب، وغطاء سياسي مناسب لميادين التحرير وقوى التغير ، وارجوا ان يريحه من النقد اللازع بعض الشيئ على الرغم انى موقن انه سيظل هدف لحرب ممنهجه لتشويه السمعه! كلي امل الآن، ان تتجمع و تتوافق قوى التغير على الخطوات القادمة حتى نحيي المسار السياسي الذى اوشكت ملامحه على الآندثار. اعادة هيكلة الدولة المصرية وترتيب اولويتها امر لا غنى عنه! هذه ليست معركة شخص مهما كان اسمه وانما معركة جيل بأكمله شاءت المقادير ان تختبره بتحدى بناء الدولة المصرية الحديثة!