ومن خطاباتكم سلط عليكم.. يثير خطاب بشار الأسد الرابع منذ بدء مجزرته فى سوريا كثيرا من الأشياء المقرفة، مما يمنع أى مخلوق تنطبق عليه صفة «بنى آدم» من التعاطف معه، إلا إن كان «شبيحا مثله»، الخطاب الذى قاربت عدد كلماته 8000 كلمة (أحصتها صحيفة «الشرق الأوسط»)، وألقاه صاحب الرقبة الطويلة فى ساعة وخمس وأربعين دقيقة.. كان غاية فى الملل والرتابة (نصف الحاضرين جلسوا يتثاءبون حتى انتهاء الشبيح الأكبر من رغيه)، وغاية فى العسكرة والإرهاب (أساتذة الجامعة وأعضاء الحكومة قاطعوه كثيرا من أجل التصفيق). جلست أتابع خطاب الشبيح يوم الثلاثاء الماضى، وشعرت أن به بعضا من سمات حلقات «مع هيكل» على قناة «الجزيرة»، فلسفة فضفاضة، وجدل فظيع، وحديث كبير، ومتسع عن العروبة دون الوصول إلى شىء محدد.. دون إفادة فعلية تعود على المواطن السورى أو حتى التنزانى، شعور آخر تسلل إلىَّ هو أننى فى حصة تاريخ عن بلاد الشام. لا يكترث الشبيح بالعرب كثيرا وربما لا يراهم أصلا، ولو رضى نبيل العربى بما قال بشار فى خطابه عن الجامعة فلا هو عربى ولا أمين، قال بشار (لن تكون لا جامعة ولا عربية وإنما جامعة مستعربة)، يعتبر أن الجامعة تخسر كثيرا -لا سوريا- بإدانته.. يرى أن (الجامعة بلا سوريا جسد بلا قلب)، مستدلا بجملة قالها طاغية من موديل آخر هو عبد الناصر.. لا يكتفى بذلك، بل يؤكد أن الجامعة بلا سوريا عروبتها معلقة.. يا شبيح سوريا أصبحت إسرائيلية بك، وجنرالاتها فى الجولان يستعدون لاستقبال العلويين الفارين منها بعد سقوطك القريب (خلال أسابيع حسب توقعاتهم). الشبيح الذى يتحدث عن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها بلاده يتفاخر بالقمح السورى الذى أكلت منه أربع دول عربية خلال السنوات الماضية. يواصل القتل فى خطابه.. «من يسع إلى منصب لا يُحترم» يقول بشار رافعا رأسه، بينما تمسك أعضاؤه جميعا بكرسى الرئاسة.. يتحدث عن استفتاء على مشروع دستور سورى جديد فى مارس المقبل وحكومة موسعة تشمل جميع القوى السياسية، لكنه لا يرى أن الرئاسة منصب يمكن الحديث عنه أو تركه.. هذا منصب للخلود عند العرب يا أخى! يلعن بشار الإرهاب ويؤكد لحضوره فى جامعة دمشق من المصفقين أن التدخل الخارجى بات عربيا وأجنبيا فى وقت واحد، ولا يذكر أنه قتل ما يقرب من 35 شخصا فى لحظات الخطاب الطويلة والمملة إلى حد البجاحة.. أكثر ما كان مقززا ومضحكا حقيقة فى الخطاب وفى كلام بشار عموما هو تأكيده الشىء ثم نفيه فى الجملة التى تليه مباشرة.. مثلًا «نحن ماضون فى الإصلاح الاقتصادى رغم الأزمة الحالية».. «الإصلاح الاقتصادى بطىء بسبب الأزمة التى تمر بها البلاد».. لا يدرك بشار أننا فى زمن الربيع العربى.. يتصور الشبيح الأكبر كما قال فى خطابه أننا فى «زمن الانحطاط العربى». «خسئتم.. لست أنا من يتخلى عن المسؤولية».. بل خسئت أنت يا بشار.. وهذه الثقة العمياء التى تتحدث بها متكئًا على العجوز الروسى والصينى المتطلع للأمام زائلة.. وأنت كما الطغاة جميعا ابحث لك عن قبر.. أو عن زنزانة أو مخبأ. «إخوان الشياطين» كما قلت فى خطابك لن يتحاور معك.. كيف تصف الإخوان المسلمين بالشياطين وتطلب منهم معاملتك كملاك؟! كغيرك من الطغاة تضرب القوى بعضها بعضا (يقولون لنا نحاوركم لكن بالسر)، حقيقة الأمر أن خطاب الشبيح الرابع كان محفزا كبيرا للثوار، للاستمرار فى احتجاجاتهم حتى إسقاط النظام. قالوا لنا ونحن صغار إن صوتك العالى دليل على ضعف موقفك.. فما موقف الشبيح وبنادقه ورشاشاته التى تزأر؟.. قطعا هى دليل على صلابة الأرض التى يقف عليها الثوار. كان خطابا برع الممثل بشار فيه كثيرا.. هو راعى الفن والممثلين فى سوريا فعلا «سلاف فواخرجى وسوزان نجم الدين ودريد لحام وأشقاؤهم». الآن.. لا يلعب أطفال سوريا عسكر وحرامية، بل شبيح رقبته 7 سم، وثائر يرقص طوال الوقت واثقا من نصر قريب.