في عام 2007 م. أصدر المفكر الكبير الدكتور جلال أمين سيرته الذاتية في كتابه الممتع: «ماذا علمتني الحياة؟»، وها هو يُصدر كتابا بعنوان «رحيق العمر» يمكن أن يعد جزءاً ثانياً من سيرته الذاتية. ولم يتوقف المؤلف عند مرحلة ما في كتابه الأول، ثم أكمل الأحداث في كتابه الثاني، وإنما هو يحكي أحداثا من حياته، وحياة عائلته، وتاريخ وطنه، كما أنه يتوقف عند شخصيات لعبت أدوارا في حياته، ويحلل مواقف دقيقة تثير التفكير والتأمل. فإعادة النظر في حياة كل منا تستدعي ذكريات كثيرة تستحق التعمق فيها لفهم أحداث الحياة وتحولاتها، ولإدراك مغزي الوجود البشري. وفي هذا المقال لن أتمكن من الحديث عن كل ما استوقفني من كلمات بديعة، ومعاني جميلة، وتأملات عميقة، وأفكار خلاقة، ورؤي مدهشة، ولا كل ما اتفقت، أو اختلفت فيه مع كاتبنا الكبير، ولكني سأشير فقط إلي قضية مهمة أثارها الكاتب في الجزء الأول، والثاني، وكان يفكر في صياغتها كعنوان لكتابه، وهي: لماذا تخيب الآمال؟ وهذا سؤال جدير بالبحث والتأمل، ولا يقل أهمية عن سؤال: ماذا علمتني الحياة؟ فلماذا تخيب الآمال؟ يُجيب كاتبنا بقوله: «أظن أن هذه الظاهرة حتمية حتي في ظروف الحياة العادية جدا، لسبب واحد أساسي: وهو أننا نبالغ جدا فيما نريده ونطمح إلي تحقيقه. وإذا كنا نبدأ بالطموح الزائد عن الحد، فما الذي يجب أن نتوقعه سوي تعرضنا للكثير من خيبة الأمل؟ «فثمة حتمية وجودية لخيبة الآمال، بمعني أنها حتمية في طبيعة الوجود ذاته من جهة، وفي طبيعة وجودنا الفردي من جهة أخري. فالإنسان لا يخلو من آمال وطموحات، والكون لا يسير طبقا لرغبات أحد، ومن ثم فلابد من الوصول إلي مرحلة تخيب فيها الآمال. وهذه الحقيقة تقود قلة من البشر إلي طريق آخر ( روحي )، يختلف تماما عن الطريق القديم (الدنيوي)، إذ يتوقف المرء عن الجري وراء مغريات هذه الفانية، ويتجه بإخلاص إلي خالق الكون. ففي التوراة: «لا يكن لك آلهة أخري.. لأني أنا الرب إلهك آله غيور». وفي الإنجيل: «لا تكنزوا لكم كنوزا علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء». وفي القرآن: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافساداً».