كم مرة سمعت كلمات من عينة «حياد، وموضوعية، ومهنية، وديمقراطية» فى برامج التوك شو وفى حوارات نجوم الفن والسياسة المعروفين؟! ربما مليون مرة، فالكلمات الأربع السابقة هى التى يلوح بها أى شخص يهذى ويتجاوز ويتطاول على أى معنى نبيل فى حياتنا. وهذه الأيام العصيبة التى نمر بها، كاشفة للجميع.. تعرى الخونة وتجردهم من ورقة التوت الأخيرة، لكنهم لا يجدون بعد التعرية سوى التشدق بالحياد والموضوعية والمهنية والديمقراطية، وكأنها كلمات مجردة لا خلفية ولا سياق ولا منطق لاستخدامها. كشفت لنا هذه الأيام الخبيث من الطيب، كشف لنا سواد الأحداث الخيط الأبيض من الأسود، وصار الاختيار واضحا بين مشاهدى ومتابعى التوك شو، فإما أن تكون مع القاتل، أو مع المقتول، هذا وقت الحدة فى الأحكام.. وقت الانحياز الصريح لقاتل مسلح يملك كل إمكانات الكر والفر والهجوم، وقتيل لا يملك سوى إلقاء نفسه بأيدٍ عارية وصدر مكشوف أمام قاتله.. إلى أيهما ستنحاز؟! نحن لسنا قضاة.. إننا مجرد مشاركين ومتابعين للأحداث.. القاضى وحده هو الذى يجب أن يكون محايدا وموضوعيا ومهنيا وديمقراطيا.. يستمع إلى الجميع، حتى المجرمين والمدافعين عنهم، كى يحكم بالعدل، ومع ذلك ورغم كل ما يملكه القاضى من صلاحيات، فإنه فى النهاية يحتكم إلى ضميره، لكن لماذا يضطر الإنسان العادى أن يكون قاضيا مهنيا وموضوعيا ومحايدا وديمقراطيا، بينما السهل أن يوقظ ضميره فقط. هل تنتظر مهلة لتفكر فى الانحياز للضعفاء؟! هل يسمح لك ضميرك بأن تتخذ موقفك وفقا لاتجاه مذيع تحبه؟! هل تبنى ضميرك أصلا على مواقف نجوم التوك شو؟! هل يحتاج ضمير المرء أن يتكون أصلا، أم أنه يخلق معه كاملا سليما عفيا محترما؟! خلقنا الله كى نتعذب بضمائرنا، ولم يخلقنا أبدا كى نلغيها ونسير فى قطعان خلف من لغوا ضمائرهم، وجاؤوا الآن ليعطونا دروسا إعلامية فى المهنية والحياد والموضوعية. خلقنا الله كى نثور على أى وضع شاذ، لذلك فليس من حق نجوم التوك شو الذين هللوا للمخلوع ورجاله أن يتحدثوا عن الثورة أو يهاجموها أو يستضيفوا رموزها أو أعداءها، كما أنه ليس من حقهم أن يتحدثوا عن الموضوعية والحياد والمهنية والديمقراطية، بل إنه ليس من حقهم العمل فى الإعلام أصلا. خلقنا الله كى نفكر ونتدبر فى كل كلمة تخرج من أفواهنا، وفى كل كلمة نسمعها، لذلك فمن يقول أمامك كلمة حياد إعلامى الآن، ثم يستضيف لميس جابر لتلقى بفضلات كريهة عليك وعلى أهل بيتك، فلا بد أن تعرف أنه كاذب مخادع، فلا حياد فى استضافة شخصية تنتهك أعراض البنات وتقدس أى غباء، بينما تهين البشر عموما، وقت انتهاك كل الحقوق. خلقنا الله كى نكون واعين مدركين ومنتبهين، لكل من يشوه خلقته، لذلك فلا موضوعية فى استضافة الفنان محمد صبحى الآن، وهو الذى دعا الشباب منذ 2 فبراير وبعد موقعة الجمل بيوم واحد إلى العودة للمنازل، كى لا يهدموا الدولة! لا موضوعية فى استضافته الآن ليكرر نفس الهراء، وقت الدعوة إلى ثورة جديدة على كل ما سبق. خلقنا الله كى نفرز ونختار ولا نتعامل مع البشر كآلهة لا تخطئ، فنبحث ونقدر قيمة البشر الحقيقيين الذين وقفوا مع بشر لا يعرفونهم وقت المحن والشدائد، لذلك فلا مهنية فى استضافة الإعلامى وائل الإبراشى لسيدة تهاجم جمعيات حقوق الإنسان وتتهمها بالعمالة، بينما وقفت كل جمعيات حقوق الإنسان فى مصر مع هذا الرجل فى المرات التى تغابى فيها النظام السابق عليه. خلقنا الله كى نقصى القتلة والفاسدين ومسانديهم من حياتنا، بعد محاكمتهم، فأى ديمقراطية تلك التى تسمح لقاتل أو لشريك له أو لمساند لهما أن يظهر بكل هذه الوقاحة والصفاقة ليعرض وجهة نظره، ولذلك فلا تثق فى أى إعلامى استحضر أحد أعضاء «آسفين يا ريس» فى أى من برامجه بدعوى الديمقراطية وحرية الرأى والرأى الآخر. لا رأى ولا ديمقراطية ولا حياد ولا موضوعية ولا مهنية مع قتلة، فكل هذه المصطلحات بمثابة جنون عندما تساوى بين قاتل وقاتله، وكل من يتشدق بها الآن كاذب ومضلل يبيع لنا لا موقفه و«ميوعته» مقابل دماء وأعراض.. عفوا هذا وقت الحدة والحسم.