في الفترة الماضية سألني بعض القراء: لماذا تستمر في الكتابة عن فساد إدارة المكتبة؟ ألا يزال لديك أمل في إصلاحها؟ أليس هناك قضايا أخرى أهم للبلد؟ أجيب ببساطة بأن قصة المكتبة -في رأيي- نسخة مختصرة من قصة مصر كلها. دعني أوضح لك: في فبراير تحركت مجموعة من العاملين بالمكتبة ونظّمت وقفات احتجاجية بساحة المكتبة تنديدا بالظلم والفساد. فماذا فعلت إدارة المكتبة؟ فورا سارعت إلى لبس لباس الثورة، ونادت بالإصلاح والعدالة ومحاسبة كل من أخطأ بحق المكتبة. وتحت ضغط الثائرين، تم نقل اللواء مدير إدارة الأمن بالمكتبة ونائبه العميد ليتواريا في وظائف أخرى تقديرا لرغبة الشعب المصري العظيم. ألا يذكرك ذلك بناس صحابنا؟ ثم أعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين عن قرارات إصلاحية رائعة، وتشكيل لجان للتصحيح منها لجنة للتظلمات والشكاوى لإنصاف كل مظلوم، مع فتح باب الحوار مع العاملين، مرددا مقولة فولتير: إنني قد أختلف معك في الرأي، لكنني مستعد للتضحية بحياتي حتى تعبر عن رأيك، متعهدا هو الدكتور أبو المجد بعدم التنكيل بأي موظف معارض لسياساته. مع توقف المظاهرات بساحة المكتبة وانفضاض الشعب من حول الثوار، بدأ فولتير، أقصد سراج الدين، مسلسل التنكيل بثوار المكتبة وقطع عيشهم. الملفت أن ذلك بدأ في أغسطس (نفس توقيت سحل ثوار التحرير وتحويلهم للمحاكمات العسكرية). فبدأ الشباب الثائر في المكتبة يحتشد في جروب على الفيس بوك سموه باسم أحد زملائهم المنكّل بهم، على وزن "كلنا خالد سعيد". وفي 26 أكتوبر انفجرت الثورة بعد استمرار التنكيل واتضاح زيف الوعود واللجان والمحاولات الداخلية للإصلاح (قبيل مليونية 18 نوفمبر وما بعدها)، فإذا بالإدارة تتراجع وتعيد العاملين المنكّل بهم جميعا رغم رفضها جميع توسلات ورجاءات الزملاء قبل ثورتهم، مع إصدار قرارات جوهرية تتعهد بإصلاح اللائحة، وقبول استقالة أهم المديرين الفاسدين الذين ضجّ العاملون منهم وأصر سراج الدين على حمايتهم، تماما كما اضطر المجلس العسكري لقبول استقالة شرف الذي لم يعد المصريون قادرين على تحمّله، معلنا عن تسليم السلطة في يونيو القادم. لكل هذه الأسباب أرى أن الكتابة عن مؤسسة كبرى كالمكتبة هي كتابة عن مصر، وأن محاربة الفساد هنا جزء لا يتجزأ من ثورتنا الكبرى، مستعيدا قول علاء عبد الفتاح بأن الثورة ليست في التحرير فقط، بل في كل مؤسسة ينبغي تطهيرها في مصر. أريد الآن أن أستكمل هذا الجانب "الأمني" من فساد إدارة المكتبة، فالاسم الحركي للمكتبة، الذي يردده سراج الدين دوما هو "منارة حرية التعبير"، دون أن يجد أي حرج في مواصلة التنكيل بنا. إليك الآن هذه الحكاية المذهلة: بعد الاستقالة الاضطرارية لعقيد سابق من قيادات الأمن بالمكتبة، وأثناء نقل محتويات مكتبه، فوجئ زملاؤنا بملف أمني عجيب، يضم صورا تم التقاطها خلسة للزملاء المتضامنين معي بعد قرار الإدارة بإنهاء عملي بالمكتبة. إليك هذه الشهادة التي كتبها الصديق محمد شمس عقاب على الجروب (بعد قيامي بحذف الأسماء من النص نزولا على رغبة زملائي بعدم شخصنة المشكلة): "من المخزيات التي مارستها الإدارة الفاسدة بالمكتبة اتباعها أسلوب أمن الدولة في الإدارة، فقد تسرب إلينا منذ مدة خبر وقوع ملفات كان قد أعدها العقيد (...) للزملاء الذين وقفوا تضامنًا مع الزميل عمر حاذق في الأشهر السابقة.. وقد علمنا أن هذه الملفات موجودة بمكتب الأستاذ (...)، فتوجهنا إليه منذ قليل: (..،..)، وأنا، وكان حاضرًا الأستاذ (...،...،...) وطلبنا من الأستاذ (...) إطلاعنا على هذه الملفات فأبدى اندهاشه من وجود ملفات أمنية للعاملين بالمكتبة، ثم لما أوضحنا له طبيعتها أخرج ملفًا أخضر اللون من عن يمينه، فيه صور ملونة للمتظاهرين من كل الزوايا، ومن الأمام ومن الخلف وأخرى بالأبيض والأسود مصورة منها ، وقد كتب على كل صورة اسم صاحبها بالكامل.. وهناك مظروف آخر به أوراق مختلفة ، منها أوراق مصور عليه أيديهات هؤلاء المتظاهرين.. وثمة أوراق أخرى مكتوب فيها بخط سقيم أسماء المتظاهرين وإداراتهم، وهي لا تخلو من الأخطاء في الأسماء ولا من الأخطاء الإملائية.. وصور أخرى للشعارات المرفوعة في ذلك الوقت.. وورقة مكتوب فيها أسماء بعض الزملاء الذين انضموا متأخرين إلى الوقفة وتاريخ انضمامهم.. (ملحوظة: مورست ضغوط كثيرة على كثير من الزملاء المتظاهرين في ذلك الوقت وصل بعضها إلى التلويح بعدم تجديد التعاقد). وقد أبدينا للأستاذ (...) امتعاضنا الشديد، وحزننا البالغ أن تُدار هذه المؤسسة العريقة طوال عشر سنوات بمثل هذه الطريقة الأمنية القبيحة الفجَّة.. وطلبنا نسخة من هذه الأوراق والصور، فامتنع وطلب عرض الأمر على السيد المدير أولاً.. ولقد أبلغناه أننا لمثل هذه التصرفات نطالب بإقالة المدير وتغيير هذه المنظومة الفاسدة.. وقد طلبنا منه حرق هذه الأوراق أمام المعتصمين في البلازا، فوعد بالرد. وهكذا -أيها الزملاء الكرام- تُدار هذه المؤسسة الثقافية العالمية برعاية الدكتور إسماعيل سراج الدين." منذ أسبوعين، جاءتنا مجموعة من مخبري نقطة الشرطة القريبة من المكتبة، وأصروا على اصطحاب مجموعة من قيادات الثوار المعتصمين لنقطة الشرطة بسبب محاضر حرّرتها ضدنا زميلة وزميل لنا من عشاق سراج الدين، كما أخبرنا السيد عميد النقطة بأدب ولطف واضحيْن. بالنسبة لي، أعلم جيدا أنني لم أرتكب ما يخالف ضميري لأستحق المحضر الأول في حياتي، الذي زادنا كلنا شرفا في الحقيقة. ولا يزال التنكيل بالمعتصمين مستمرا. هل تريد تفسيرا لكل ذلك؟ على جروب المعتصمين، نشرنا صورا ومقاطع فيديو للطابق الخامس (مكتب الدكتور سراج الدين)، حيث يتم عرض صور مبارك وسوزان وأغلفة كتب تحمل صورهما وكلمات لهما، تحت عنوان مثل "كلمات للتاريخ"، باعتبارهما ملهميْن للدكتور سراج الدين! ورغم احتجاجنا الصريح على ذلك، لم يتم رفع صورهما. هل عرفت الآن تفسيرا للتنكيل والتعامل الأمني مع المعتصمين الثائرين؟ نحن نحب هذا الوطن الجميل، ونريد تطهيره.