"وفى مذكراته التى كتبها أحد الدعاة الذى تاب ولزم بيته بعد الثورة التى غيرت كثيرا من أخلاق الناس كتب يقول "لقد جعلتنا الدعوة أصحاب كلمة مسموعة.. وإعلانات مدفوعة..وجماهير مخدوعة ..وجلبت لنا الرزق والهيبة .. " ما تقدم مجرد فقرة قصيرة جدا من كتاب ساخر على وشك الصدور تناولت فى بعض فصوله شكل التدين وأحوال الناس الدينية فى مصر أيام المخلوع لكنى شعرت بحاجتى إلى افتتاح مقالى بهذه السطور حيث وجدتها مناسبة تماما لموضوع المقال وكذلك للتعبير عن قرفى واشمئزازى ممن تكسبوا وتربحوا واشتهروا واحتلوا مساحة لا بأس بها فى أذهان المصريين وصاروا نجوم فضائيات وكله على قفا الدين الذى يطوعونه ويشكلونه ويصبونه فى الإناء الذى يحلوا لهم تحكمهم فى ذلك رياح المصلحة وأجواء المنافسة على كثافة المشاهدة وأموال الإعلانات . لقد شاهد الملايين فى مصر وخارجها مشهد سحل الفتاة المصرية وتعرية جسدها وتابعوه بكل ما ينطوى علية المشهد من خزى وعار حتى إن صورة الفتاة تصدرت الصفحات الرئيسية لصحف مصرية وعالمية فى إشارة واضحة وإدانة شديدة لعنف غير مفهوم وغير مبرر مارسه جنود الجيش ضد المتظاهرين من الشباب والبنات . الخلاف هنا ليس حول كون هؤلاء ثوار أو بلطجية فمشاهد الفيديو والصور واللقاءات الصحفية والمتابعات والشهادات من جانب الجيش تثبت الإجابة الثانية بينما تؤكد نفس النوعية من الأدلة والقرائن أيضا والتى يقدمها الثوار ووسائل الإعلام الخاصة المنحازة للحقيقة الإحتمال الأول ،ورغم ذلك فهذا لايعنينا على الأقل فيما ننشده من كتابة هذه السطور ومانريد الكلام حوله هو ما يلفت الإنتباه ويثير مشاعر الأسف والخجل والحزن أيضا على رجال وصلت لحاهم إلى مستوى أحذيتهم ،بعد أن أفنوا حياتهم فى البحث والاستقصاء والتوغل داخل دروب ومسالك الإسلام الحنيف بحثا عن أدلة شرعية تؤكد نظريتهم فى ضرورة إخفاء المرأة من كعب القدم حتى فروة الرأس حتى عن أعين أطفالها إن أمكن وإذا بهم جميعا- إلا قليلا - تحولوا إلى موتى لا يسمعون ولا يتكلمون ولايرون ما حدث لإمراة كشف جنودنا البواسل نصفها العلوى تقريبا بالكامل حتى رؤى منها ما يثير الفتنة- وعذرا فهذا هو خطابهم دائما فيما يخص المرأة - ، ،هؤلاء نسوا مؤقتا عورة المرأة وحرمتها وأخذوا مسكن شديد لآلام النخوة وأعراض الرجولة وبحثوا عن تفسيرات شرعية مقبولة تريح ضمائرهم المريضة من ذنب التقاعس حتى عن النزول فى مسيرات تدين إهانة المرأة وتعريتها بهذا الشكل ولعل من ألطف التفسيرات الشرعية ما رآه البعض من وجوب تحمل الفتاة نفسها الذنب فيما حدث لأنها كانت ترتدى العباءة على "اللحم " ! فهل رأيتم خسة أشد من هذه ونعم التبرير والتفسير ! بعضهم ظل يتاجر بالمرأة وبقضيتها ويلعب على وتر يحب الإستماع إلى الحانه الكثير من المصريين الذين لا يرون فى المرأة إلا كتلة " لحم " تدعو آكليها إلى التهامها ..حتى إذا تعرى هذا اللحم وصار حقا ونخوة ودينا وشرفا وعقلا ومنطقا وواجبا شرعيا -على حد ما يدعى دائما هؤلاء -الدفاع عنه ولو بالإعتراض السلمى وتوبيخ من فعل هذا والمطالبة بحسابة ومحاكمته حتى ولو كان من فصيلة أبطال أكتوبر خفتت الأصوات وماع الدين وانزوت النخوة جانبا وراح الواجب الشرعى يأخذ قيلولة فى شمس الشتاء الدافئة ،ولم يقف الأمر عند هذا بل يتطوع داعية إسلامى لا أراه إلا داعرة يتاجر بالدين ويقرر أن الفتاة المنتقبة لا أحد يعلم من هى ولا من أين جاءت ثم يضحك ويتهكم بل ويتشفى على الهواء فى وجود ضيوف من رموز شبابية صاعدة من التيارات وهم الذين يدينون بالفضل لله أولا ثم بالكثير منه لهؤلاء الثوار ولهذا الميدان الذى منحهم حق الوجود ( سياسيا ) وإذا بهم الآن يتنصلون و يتهكمون على من تعرى وسحل فى الميدان ولسان حالهم يقول : حصلنا على ما نريد فلتذهب الثورة ومطالبها للجحيم هذا الداعية الذى صعد إلى سماء الفضائيات وعرف معنى " النحت " وعرف" سبوبة" الدين وذاق حلاوة أموال الدعوة مدفوعة الأجر من أموال الفضائيات فيما لم يذكر له التاريخ كلمة قالها ضد النظام الذى تربى هو وأمثاله فى كنفه وصاروا نجوما بآلياته والسؤال هل يجوز شرعا حتى لو لم تكن الفتاة من الثوار بل حتى لو كانت مجرمة أو بلطجية وهى ليست كذلك أن يفعل بها هذا من ضرب وسحل وكشف لجسدها وعورتها أم أن فى رأى الداعية الذى لا يمثل إلا نفسه أنه يجوز لنا كمسلمين أن نفعل هذا بالنساء طالما هن مجرمات أو مندسات فى الوقت الذى لم يكن فيه المسلمون يفعلون ذلك مع نساء أعدائهم ممن كن يقعن فى الأسروعلى افتراض ان المرأة مجرمة بل نذهب بعيدا فى التخيل لنتصورها مأجورة وجاسوسة جاءت لتشعل الفتن وتحرق مصر أين القانون والمحاكمة التى تدين الجانى وتنصف المظلوم ونحن الدولة التى يضرب بها المثل بالرفق بالجواسيس وخاصة الذين ثبتت فعلا فى حقهم التهمة، وفى النهاية يا شيخ كيف عرفت وأنت فى الاستوديو وليس لك علاقة بما يجرى أن الفتاة ليست من الثوار وهل تعلمت من رسولك تقديم الظن السىء بلا بينة أو دليل وهل يمنحك دينك رخصة الحكم على الناس بلا تحقق بل وتوجيه الناس ضدهم بالإيماءوالإيحاء وإلاشارة " بالعين والحاجب" أتلك هى الدعوة الحسنة والقدوة التى تقدمها لمشاهديك ؟!.. ألا لا بارك الله فيك يا شيخ !