تقوم الولاياتالمتحدة بتسليح إسرائيل، كما تقوم في الوقت نفسه بإمداد الدول العربية بالسلاح في مفارقة لافتة للنظر. ولا شك أن أمريكا ما كانت لتسلح العرب لولا تأكدها من أن السلاح الذي تقدمه لهم لن يقتل غير العرب والمسلمين، ولن يتم توجيهه أبداً نحوإسرائيل!. وعلي الرغم من هذا اليقين فإن الأمريكان لا يغامرون بمنح العرب السلاح المتطور الذي يزودون به الكيان الصهيوني، لكن يقدمون للعرب السلاح منزوع الدسم، محدود الفعالية الخالي من التكنولوجيا الراقية..سلاح يمكن فقط به للسعودية أن تحارب اليمنيين ويمكن لمصر أن تؤدب به السودان أوليبيا أوفلسطين، ويمكن لقطر والبحرين أن يتناوشا به علي الحدود..لكن لا يمكن أن يتفوق أويعادل ما لدي إسرائيل التي تضمن لها أمريكا التفوق الكمي والنوعي علي الدول العربية مجتمعة. والحقيقة إن تزويد الغرب الاستعماري للعرب والمسلمين بالسلاح لم يبدأ اليوم أوأمس، لكنه بدأ في أوائل القرن التاسع عشر عندما قامت فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية بتسليح محمد علي بعد اعتلائه عرش مصر. في ذلك الوقت لم يتم تزويد الباشا بالسلاح فقط، لكن بنوا له ترسانة بحرية لبناء السفن، ومصانع للذخيرة وتصنيع السلاح.والغريب أنهم لم يضنوا عليه بالسلاح المتطور كما تفعل أمريكا اليوم ولكن قدموا له أحدث ما وصلوا إليه ولم يخشوا من حيازته لسلاح يماثل ما بحوزتهم، ربما لاطمئنانهم لتوجهات الرجل وثقتهم في أن هذا السلاح لن يستخدم إلا ضد العرب والمسلمين. والحقيقة أن الرجل لم يخيب أملهم بعد تجنيده لأبناء الفلاحين وتكوينه جيشاً شديد البأس..فأرسل ابنه ابراهيم باشا الي الجزيرة العربية عام 1816 حيث قمع الحركة الوهابية وأنهي حكم الدولة السعودية الأولي واحتل الدرعية عاصمة ملكهم ونصّب نفسه أميراً علي مكة بعد أن أسر أميرهم وأرسله لأبيه في القاهرة فأرسله محمد علي إلي الآستانة فطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام قبل أن يقتلوه. «ولعل هذا يفسر العداء السعودي التاريخي للمصريين«. بعد ذلك توجه جيش محمد علي الي السودان ليقمع تمرداً وقع هناك فأنشأ مدينة الخرطوم وعمل علي تأمين منابع النيل. حتي ذلك الوقت لم تكن لمحمد علي مشكلة مع الغرب الاستعماري إذ إن الأراضي التي فتحها وأطلق عليها مدافعه وبنادقه كانت أراضي العرب والمسلمين، والدماء التي أسالها في غزواته ومعاركه كانت دماء العرب والمسلمين. بدأت المشكلة حينما قاتل بقواته في اليونان إلي جوار السلطان العثماني وحارب في «المورة» ونالت نيرانه من الأوروبيين اليونانيين وابتعدت للمرة الأولي عن قتل العرب والمسلمين وهذا ما لا يمكن قبوله!. فقد محمد علي إذن حظوته ودلاله عند الغرب بعد أن تجاوز الدور المرسوم له وبعث أسطوله بقيادة ابراهيم باشا ليحارب إلي جانب الأسطول العثماني ومعهما الأسطول الجزائري..أكرر الأسطول الجزائري «هذا الكلام للأوباش الذين شتموا شعب الجزائر من أجل ماتش كرة» وقفت مصر والجزائر الي جوار تركيا في وجه الأساطيل البريطاني والروسي والفرنسي في خليج نوارين.ومما يجدر تأمله أن المتحدثين عن محمد علي لا يتطرقون إلي هذا الجانب المهم في فهم مساعدة الغرب له ثم انقلابهم عليه. لقد تركوه يشق في لحم الدولة العثمانية وتركوه يقاتل في الحجاز ونجد وفي السودان وباركوا جميع خطاه، فلما امتدت يده إلي اليونانيين قطعوها وأغرقوا أسطوله في نوارين ثم قاموا بتحجيمه وإعادته إلي قواعده في مصر وفرضوا علي جيشه قيوداً أضعفته وأنهت أسطورته. فلعل العرب المتعلقين بأذيال الغرب، أولئك الذين ينفقون ثروات شعوبهم علي تكديس السلاح يدركون أن السلاح الأمريكي البريطاني الفرنسي إنما هومخصص من أجل أن نقتل به بعضنا البعض وليس مخصصاً للدفاع ضد الأعداء ولا لنصرة الأشقاء..وكيف يكون ضد الأعداء ولنصرة الأشقاء إذا كانت إسرائيل هي التي تشرف علي انتقائه قطعة قطعة وهي التي تضع توقيعها علي أوراق السماح بتصديره!.