الموجة الأولى للثورة المصرية أزالت مبارك وكادت ان تصحح مسارالسياسة فى مصر للعودة مرة اخرى من خارج التاريخ والجغرافية الى وضع مصر الطبيعي الرائد فى المنطقة. الموجة الأولى كانت من القوة والعنفوان ان كائن من كان فى مصر لم يستطيع ان يقدم نفسه ليكون قائد لها فالشعب صاحب الشرعية كان يتحرك ولم يكترث بأي قائد كبير كان او صغير ليعطيه شرعية الثورة، بل على العكس، كان الشعب هو نجم النجوم فى تلك الموجة الرائعة و العفوية. فى موجة البداية هذه، ظهر المعدن المصرى الاصيل و ظننا ان مصر تجاوزت فى 18 يوم امراضها المستعصية التى اصابتها فى 30 سنة حكم مبارك. من نتائج الموجة الأولى للثورة ان الشعب بعد ان كسر النظام وأعاد الداخلية الى حجمها الطبيعي احتفل فى الميادين و رجع الى البيت. ثم تحول ميدان التحرير الى ايقونة الثورة واصبح كل ميدان للثورة فى اى مدينة مصرية اسمه ميدان التحرير. المدهش ان ميدان التحرير تسبب فى الآتيان بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى لم يكن له وجود فى الحياة السياسية المصرية و تسبب ايضا فى الأتيان بالأخوان المسلمين من الأقصاء السياسي الى صدارت المشهد، ثم التفت الأخوان والمجلس الأعلى للثوار وقالا ان التحرير لا يمثل مصر! استقوى المجلس الأعلى والأخوان بنتيجة الأستفتاء منذ ان جرت وقائعة فى مارس من هذا العام وعاد الضغط من جديد ضد الثورة والثوار من اجل اجهاضها وتحويلها بالتدريج من ثورة الى حركة اصلاحية ثم الى محاولة اعادت نظام مبارك وشبكة المصالح المستفيدة من نظامه والداعمه له (او المحركة له فى الحقيقة). لكن الثورة لم تسكت وانتفضت مرة تلو الأخرى واثبت الشباب ان جيل الشيوخ ممن يلي امر السلطة فى مصر، غير مؤتمن وينحرف عن المسار. ثم اثبت الشباب ومن ورائهم الشعب (63% من الشعب تحت سن ال25 سنة، او بالآحرى 69.5% تحت سن ال30 طبقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والأحصاء) ان الشباب اكثر صدقا واقرب تعبير واكثر تجسيدا لمقام ومكانة مصر وشعبها وان من يلي السلطة من شيوخ مصر مازال مصمم على رؤية العالم بنظارة ماركة مبارك-السادات التى ترى 99% من الحل فى يد امريكا وتبنت سياسة الأنبطاح (راجع موقف السلطة الحالية من قتل الجنود المصريين داخل الحدود المصرية فى اغسطس من هذا العام). الموجة الثانية للثورة جأت مثل الأولى، قوية وشبابية وبلا تمثيل قيادي هي الأخرى. نجحت الموجة الثانية فى ايقاف عملية اختطاف وسرقة الثورة واظهرت ان الناس غير راضية عن الوضع الذى آلت اليه البلاد من فوضى امنية مخططة لضرب الثورة ونزيف اقتصادى مقصود لأشاعة اليأس و الأحباط فى نفوس الناس ثم تحميل الثورة والثوار المسؤولية. الموجة الثانية للثورة كشفت عن مواقف القوى السياسية فالمجلس الأعلى القابض على السلطة والمجهض للثورة يؤمن بطريقة ونظام وتوجهات حكم مبارك واهمها، قولوا ما تشأون وانا افعل ما أشاء. اما الأخوان والتيار الأسلامي فعينه فقط على الأنتخابات وله نفس رؤاى الجيش فى الأصلاح التدريجي ويؤمن هذا الفصيل هو الأخر بالسلطة الهرمية واحترام تسلسل القيادة. اما الأحزاب الجديدة فهى تتصارع من اجل مكان لها فى دنيا الغد وهى كالطفل الصغير ومن الواجب تشجيعها كلما وقعت! ثم يأتى من فقدوا أعيونهم من اجل الكرامة ومن اجل منع سرقة الثورة و استبسلوا فى التحرير و شارع محمد محمود وبددوا ظنون من عينة ان الأخوان كانوا هم حماة الميدان فى معركة الجمل. وأخيرا، هناك الأغلبية الصامته التى ذهبت يوميى 28 و 29 لتقول رأيها فى كل ما يحدث او هكذا نتصور! كشفت الأنتخابات فى مرحلتها الأولى ان كل من يثير الشغب فى مصر سواء كان بلطجى او مبلطج او مبلطجينه ترك تكليفاته فى يومي الأستفتاء وذهب للأقتراع او يبدو ان تكليفه كان عدم البلطجة او الذهاب الى الصندوق ليقول رأيه هو الآخر. لذلك الناس فى الشارع تسأل "انتو فين يا بلطجية؟".. كشفت الأنتخابات ايضا ان لا احد من القوائم والفردى (الا من رحم ربي) يحترم القانون (انا مراقب من جمعية المنظمة المصرية لحقوق الأنسان وتابعت لجان عديدة).. ثم كالعادة حاصرتنا تصريحات اللواءات عن ماهية دوبان الشعب فى دباديب المجلس و كيف ان ذهاب الناس للأنتخابات معناه ان البلد كلها تؤيد المجلس. فات المجلس ان الناس ذهبت الى الأنتخابات لتتجاوز المرحلة الأنتقامية ويعود العسكر من حيث آتو وان مجرد التفكير بأن المجلس بحاجة الى اظهار تأيد الناس لهم هو فى حد ذاته دليل على عدم شرعيت سلطتهم. ثم كالعادة قبل الأقتراع خرج علينا اللواء شاهين بتصريحات تكشف عما ينتوي المجلس الأعلى ان يفعله بنتيجة الأنتخابات او نتيجة للأنتخابات كما فعل من قبل بنتيجة الأستفتاء. فى مارس، قال اللواء شاهين اذا كانت النتيجة نعم او لا فأن المحصلة هيا اعلان دستوريا. طبعا المجلس لجاء الى الأعلان الدستورى بعد ان اكتشف ورطته اذا تم اقرار تغير التسع مواد المستفتى عليهم فقط. تطبيق التعديلات التسعة كان سيجعل المجلس غير دستورى وكانت السلطة ستنتقل الى رئيس المحكمة الدستورية العليا (بسبب غياب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب). ولكن المجلس فصل اعلان دستورى كامل متكامل به كل الصلاحيات التى يريدها بالمخالفة للأرادة الناخبين وخرج علينا بخريطة طريق تقول انتخابات مجلس شعب فى يونيو ورئاسة فى سبتمبر و لم ينفذ او يحترم تلك الخريطة لأن الهدف لم يكن نقل الدولة والسلطة من عصر الى عصر ولكن ضمان الا تخرج السلطة من السلطة الحاكمة منذ سنة 1952. اضاف الى ذلك ان المجلس لا يريد ان يتنازل عن اى صلاحية اكتسبها فى الأعلان حتى الى مجلس شعب منتخب، إذ يعطي الأعلان صلاحية السلطة التنفيذية والتشريعية الى المجلس الأعلى وكان من المفترض ان تتحول السلطة التشريعية من المجلس الأعلى الى مجلس الشعب بعد الأنتخابات ولكن اللواء شاهين قال ان المجلس لن يكون له صلاحيات تشريعية!! او صلاحية تشيكل حكومة او اقالة حكومة ثم استبق حتى اختيار المجلس التأسيسي الدستورى وقال ان صلاحيات الجييش ومواده فى الدستور لن تمس! (لاحظ ان وثيقة السلمي كانت وثيقة استباقية للدستور ولتشكيل المجلس التأسيسي الدستورى، ويبدو ان المعركة قادمة حول بنود الوثيقة) اصرار المجلس على الدكتور كمال الجنزورى جاء بعد ان لم يستطع ان يمرر وثيقة على السلمى. لا ازعم ان هذه الوثيقة كانت مفجرة للموجة الثانية للثورة كما لا ازعم ان هذه الموجة كفيلة الى الآن بأزاحة الجنزورى وايامه من امام الثورة. كلنا نعرف ان اسباب اى موجة فى مصر هو تراكم الأسباب وانحراف المسار الى حيث يشعر الناس ان الثورة تختطف و يجب ان نصحح المسار. من هذا المنطلق نفهم لماذا هداء التحرير (ليس فقط لأن الضرب والعنف والحل الأمنى توقف) بعد ان تحرك الحل السياسي واشتعلت المعركة الأنتخابية فى مرحلتها الأولى. ايضا سقط الناس فى كم لا حصر له من اللوغريتمات فى معرفة كيف سيصوتون ولمن سيعطوا صوتهم، وأسئلة اخرى لا حصر له من عينة "2 فئات يبطل الصوت ولا لا؟" وما هي طريقة حساب الكسور فى القوائم الخ... الموجة الثانية من الثورة تلفظ انفاسها واذا انتهى الأعتصام بوجود الجنزورى فى رئاسة الوزارة فنحن نشهد بداية التراكم من اجل موجة ثالثة للثورة قد تبدأ بعد اشهر قليلة قادمة. الموجة الثانية كشفت ان التحرير ليس فقط بلا قائد ولكن ايضا ان كل القادة سواء كانوا من مرشحى الرئاسة او من قادة الأحزاب هم دون المستوى. لقد آتى التحرير بكرسي رئاسة الوزارة بصلاحيات رئيس الجمهورية وقال لثلاثة من مرشحى الرئاسة (بردعى، حمدين، ابو الفتوح) وبتحيز الى البرادعى اتفضل اركب! وقال للثلاثة نرتضي بكم لتمثيلنا فما كان من الثلاثة الا التخلي عن متظاهرى الميدان وغلبت عليهم حسابات الرئاسة وجرحوا مسانديهم ومؤيديهم ودراويشهم فى التحرير. يأتى دون هؤلاء الثلاثة مرشح كاد التحرير ان يثور ضده وهو عمرو موسي عندما تسربت انباء انه سيشكل الوزارة فهو يعتبر من بقايا نظام مبارك. و يأتى دون ذلك المستوى رجل من عينة ابو اسماعيل الذى نزل التحرير وسخن الثوار واستشهد الناس ثم اختفى الرجل. دوره تحول الى نوع من الكوميديا السوداء بعد ان دائب على اطلاق التحذيرات للمجلس لترك السلطة خلال يومان والا رأى المجلس ما لا يسره ثم عندما حانت لحظة المواجهه أذا بأبواسماعيل فص ملح وداب. دونه يأتى رجل اسمه العوا، ياتى الى التحرير فيقول امشوا ويجلس فى اجتماعات مرشحى الرئاسة (انا شاهد عيان) و يقول لولا التحرير لتم خطف الثورة ثم يذهب للقاء المجلس العسكرى فيخرج بعدها على الناس فى السي بي سي ويقول مع "مديرة الدعاية لحملة مبارك الأنتخابية لسنة 2005" (لميس الحديدي) ان عنده ناس فى التحرير وانه سيبلغ عن اى احد يتكلم على المجلس الأعلى! فى رأيي الموجة الثالثة للثورة ستأتى بعد ان يتأكد الناس ان قواعد الهندسة فى البناء لا تنطبق على المبانى فقط وانما على كل شيئ خلقه الله على الأرض! بناء الأساس (الدستور) اولا والتوافق عليه هو المنطقى ثم بعده تعلوا باقى الأدوار. لذلك اتوقع ان يفشل المجلس القادم فى مهامه (ليس فقط بعد تصريحات شاهين حول دور مجلس الشعب) لكن لأنه مجلس جديد ولم يتوافق على سياسيات عامة بعد. اضف الى ذلك ان الجنزورى ليس رجل تحولات كبرى ولكنه بيروقراطي تكنوقراطي كهل وان التحديات امامه اكبر من قدرته على الآداء وان صلاحياته اقل من المطلوب للحل. تراكم هذه الأسباب والأختلاف على تشكيل المجلس التأسيسي الدستورى وكذلك التأجيل المتوقع لنقل السلطة وانتخابات الرئاسة من يونيو الى ما بعده ستكون تراكمات ستؤدي الى انفجار موجة ثالثة من الثورة تأتى بقائدها او تفرز قائدها او يأتى قائدها بها. الشاهد ان العنوان العريض لمصر الثورة هو ان خبرة الشباب المتواضعة اصلحت ما افسدته خبرات الكبار المتراكمة! فألى الموجة الثالثة...