لا شك أن مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل متشابكة لدرجة معقدة. وكل منهما قادرة بدرجة أو بأخري علي تحويل التناقضات إلي حلول وسط تفيد الطرفين بدرجات متفاوتة. لكن أن يخسر أحدهما الآخر علي المدي القريب أو المتوسط فهذا أمر غير وارد. وبالتالي، فقرارات الولاياتالمتحدة، سواء الخاصة أو التي بضغط من اللوبي الصهيوني في أمريكا وبدعم من إسرائيل، بشأن دعوة الشركات الأجنبية لمقاطعة إيران وعدم التعامل معها أمر مثير وخطير بالفعل. نحن نعرف جيدًا أن الولاياتالمتحدة قادرة علي الضغط علي أي شركة في العالم. ومثال شركة سيمنس الألمانية واضح للعيان، ودليل علي قدرة الولاياتالمتحدة. نعرف أيضا أن شركات ألمانية أخري رفضت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية وتواصل العمل مع إيران في مجالات أخري مثل مجال الغاز الطبيعي الذي تحتاجه أوروبا من منطلق ضمان أمنها في مجال الطاقة، وعدم الوقوع تحت سيطرة روسيا الكاملة في هذا الميدان. عمومًا ستستجيب شركات وسترفض أخري وسيكون كل ذلك متوقفًا علي قدرة الولاياتالمتحدة علي الضغط، وعلي تعطيل مصالح هذه الشركات في أنحاء العالم. ومتوقف أيضًا علي قدرة هذه الشركات علي مواصلة أعمالها بدون خسائر كبيرة تؤدي في نهاية المطاف إلي استجابتها للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، أو إفلاسها تماما وتلاشيها. وفيما يتعلق بروسيا، فالأمر أكثر تعقيدًا. فهناك شركات روسية تخضع إلي وقتنا هذا لعقوبات أمريكية. وهذه العقوبات تضر فعليًا بمصالح هذه الشركات بدليل أن الحكومة الروسية نفسها تطالب بين الحين والآخر برفع أو إلغاء هذه العقوبات. المثير أن روسيا نفسها لا تزال تعاني عقوبات اقتصادية أمريكية تتمثل في تعديلات فينيك - جاكسون التي فرضت علي الاتحاد السوفيتي عام 1974 بسبب منع هجرة اليهود من الإمبراطورية السابقية. إن موقف موسكو يتميز بالوسطية أو التأرجح، إذا جاز التعبير. وهذا الموقف يتعلق بمصالح الدولة الروسية نفسها. ولا تخلو الأمور بطبيعة الحال من ضغوط، سواء مباشرة من جانب دول معينة أو من طرف لوبيات محددة لها مصالح مع أمريكا وإسرائيل. هذا الموقف الروسي المتأرجح مرتبط أيضا بأمور خاصة بين روسياوإيران، فهناك مساومات بينهما بشأن تقسيم قاع بحر قزوين، ودخول إيران مجال تصدير الغاز الطبيعي إلي أوروبا والصين وهي الساحة التي ترغب روسيا في السيطرة عليها تماما. عمومًا موقفا روسيا والصين رغم التفاوت بينهما، موقفان إيجابيان ليس بسبب ما يبدو من دعمهما لإيران فقط، بل لمواجهة الجبروت الأمريكي أيضا، لأن شركات الدولتين روسيا والصين تتعرض يوميًا لهذه الضغوط. وإذا كانت الصين مثلا تستخدم الاقتصاد في توسيع نفوذها بعيدًا عن الضغوط المباشرة، فروسيا تستخدم أدوات أخري مثل تصدير السلاح إلي دول العالم الثالث، وورقة الغاز بالنسبة لأوروبا في مساوماتها مع الولاياتالمتحدة وحلف الناتو.