شكرا لجامعة الدول العربية التى فى معرض سبيلها لإنقاذ أرواح الأشقاء فى سوريا أنقذت روحها هى أيضا بأن اتخذت قرارا جريئا بتعليق عضوية سوريا فى الجامعة، الأمر الذى يفرض عليها المزيد من الحصار والعزلة الدولية والعربية. أنقذت جامعة الدول العربية نفسها بعد أن كانت فى طريقها إلى أن تتحول فى الوجدان إلى مجرد اسم لشارع يبدأ بتمثال لنجيب محفوظ وينتهى ببرج محمول تابع لنجيب ساويرس. مندوب سوريا هاجم كل من وُجِد فى هذا الاجتماع، وحسب رواية حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى ورئيس اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب، فإن الرجل أو شبه الرجل مندوب سوريا فى الجامعة سبّ لهم الملة وفرش لهم الملاية على المنصة ورص لهم بالأب والأخت (الشوام لا يشتمون بالأم أبدا.. لكن ممكن يمسحوا الأرض بكرامة أختك)، الرجل لا يتصور كيف سيعود إلى رئيسه الأسد الصغير مكللا بالعار بهذه السهولة، مندوب سوريا لم يحزن على سوريا فانفجر فى السباب لكنه كان يود أن يقول لرئيس الجلسة (خربت بيتى الله يخرب بيت أختك).. ربما يكون قد قال ما هو أسوأ من ذلك، فالمسؤولون الحكوميون التابعون للأنظمة خريجة المدارس القديمة (مدرسة مبارك وصالح والقذافى وبن على وغيرهم) مدربون تماما على أن يكون رضا الرئيس هو مقياس نجاحه فى مهمته.. أما رضا الوطن.. فهو من رضا الرئيس سيادتك، وإذا كان المسؤولون فى مصر عقب فشلهم فى مهمة من هذا النوع يرتدون البيجاما فى أقرب فرصة، ففى سوريا يجبرونهم على ابتلاعها، لذلك كان فزع مندوب سوريا على مصيره قبل أن يشعر بالفزع ولو لثوانٍ على مصير بلاده فينحاز إلى قتلاها الذين يتعرضون للذبح الجماعى بدم بارد. الحزن على سوريا أصبح كتلة ثقيلة على القلب لا يعرف الواحد طريقا لتفتيتها أو حتى تفجيرها مرة واحدة للتخلص منها، حزن بمرجعية إنسانية قبل أن يكون ذا مرجعية عربية أو إسلامية، يخشى الواحد أن يقود غباء النظام السورى بلده إلى ورطة التدخل الأجنبى بعد أن شهدنا كيف كانت الفكرة مأساة فى العراق وكيف أنها ما زالت مثار جدل وريبة فى ليبيا. غباء النظام السورى يمنعه حتى من إنقاذ نفسه من مصير أوائل دفعة مدرسة الحكام الجملى الديكتاتورية. فعلى الرغم من أن بشار الأسد فى الأصل طبيب عيون فإنه من الذين ينطبق عليهم (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) فلا هو اتعظ من مبارك الذى صوّرته الكاميرات وهو يحاول أن يصنع بإصبعه ثغرة فى أنفه ليهرب منها، ولا من القذافى الذى بدأ مسيرته بلقطات تجمعه مع عبد الناصر وانتهى بلقطات بمراهقين يضربونه على القفا، و لا من بن على الذى انتهى به المطاف ضيفا ثقيلا يحلم مضيفوه باليوم الذى يرحل فيه حتى يتخلصوا من حساسية وضعهم، و لا من على عبد الله صالح الذى حاصره اليمنيون فى الميكروويف حتى احترق. غباء النظام السورى يقود كل من فى المركب إلى الجحيم، وغرور الأجيال القديمة التى تحيط ببشار يوقعه فى الفخ بأن تضامنوا معه، والأطفال الذين يتم ذبحهم على مرأى ومسمع من العالم سترسم أرواحهم نهاية موحشة لكل من تورط فى هذه المهزلة، أما العسكر الذين يقصفون القرى والمدن السورية بالدبابات دون أن يفعلوها ولو لمرة واحدة باتجاه الجولان المحتل فقريبا سينقسمون إلى مجموعات يأكل بعضها البعض. للشام رب يحميه.