كل مواطن سيحاول طلاء الحوائط الخارجية لأى مبنى فى مصر بشعارات ضد الحزب الوطنى سيُقبض عليه . ما حدث لناشط حركة 6 أبريل وفنان الجرافيتى صغير السن على الحلبى هو جريمة . فى بلد ثورة 25 يناير والشهداء الذين قدمتهم مصر لحريتها وإلغاء طبقة الفلول وشل قدرتها على الحركة والإفساد للدفع بالبلد لحرب أهلية أو طائفية , فى البلد الذى حسدنا على سلمية ثورته وثمنها المحدود نسبياً من الشهداء والمصابين كل الإخوة العرب فى البلاد التى تتمزق حولنا , إن فى سوريا أو ليبيا ما قبل قتل القذافى أو اليمن , تكون جريمة أن يُعَتقل مواطن لأنه يكتب شعاراً ضد الحزب الذى حلّه المصريون بدمائهم قبل أن يتم حله قانوناً . تأكل النار قلبى وأنا أتأمل الحالة العمدية الفاسدة التى تعمل بلا كلل على تحويل الثورة إلى " هزار " , إلى موجة عالية تتباعد من الفوران والأمل وسط بحر يأس متلاطم , حالة التخابث – المكشوفة مع ذلك – على أحد أذكى شعوب العالم , بالسماح بسريان قانون العزل السياسى لفلول الحزب الوطنى وفيالق المنتفعين به فى كل المواقع المهمة بكل المؤسسات , ولكن بعد أن تكون انتخابات مجلس الشعب القادم قد أرجعتهم سياسياً وهم الذين لم يتخلص منهم أحد , فى أى موقع فى مصر بعد ... كأننا نريد دماً كثيراً ونستكثر على أنفسنا الحالة السلمية العامة التى أُنجِزت بها الثورة المصرية , وكأن حدوثها الذى ما زال يستغربه العسكر بعدما أربكهم فى البداية , هو أمر موجب للتكفير المستمر من الشعب المصرى , حتى لتصدر قوانين غير فكاهية ضد حقىّ الاعتصام والإضراب , وحيث لا يُحاكم قتلة الشعب وسارقوه على أية جريمة ويُكافأ أعضاء " الوطنى " على جريمتهم فى حق الوطن الذى لم يكن لهم سوى بركاناً من الخيرات والمكاسب , يُكافأ الخونة على خيانتهم بالسماح لهم باستئنافها , بحصانة سياسية كالتى تمتعوا بها سابقاً لحماية فسادهم الذى أخذوا منه هدنة , ليس إلا , بثورة يناير , وها هم يستردون سريقتهم – مصر , بأيدى السامحين لهم والحاكمين لمصر الثورة , المجلس العسكرى. فى سنترال الدقى بجوار منزلى , وفى الأيام الأولى لثورتنا الطاهرة فى يناير كتب الغاضبون شعارات تؤيد الشهيد خالد سعيد , وجاء من المجرمين المنتفعين من جاء وشطبوا جملاً للشرفاء مثل " يسقط مبارك " مع الإبقاء على الاسم ودهان كلمة " يسقط " مثلاً وهذا عين ما رأيته على حوائط أخرى كثيرة فى شوارع القاهرة , جرافيتى ( كتابة على الجدران ) يحكى قصة الغضب والتصميم على إزالة الفاسدين , محو الدنس الذى يتم تذويبه فى كل شئ حولنا لكى نستنشقه ونراه ونسمعه , فنصاب بالخَدَر السابق , نستكين ! . بجانب أو فوق كل شعار للثورة كنت أرى شعاراً مضاداً لمن ينهشون مصر . . حوائط طريق محور 26 يوليو , حوائط منطقة غمرة ورمسيس , حوائط أعمدة كوبرى 6 أكتوبر فى مواجهة محطة السكة الحديدية , حوائط بعض المبانى فى حى العجوزة وبجانب بيتنا فى الدقى . كانت المواقف المتبادلة والسجالات تتواصل منذ الأيام الأولى للثورة داخل المترو وفى الشارع , يتصارع بعض المواطنين بالكلام مع بعضهم البعض بصراخ , كما حدث لى , لدى الدفاع المستميت لأحد عن مبارك وحزبه . لكن فى مترو الأنفاق كذلك , ما زلت ترى كيف تم " كحت " اسم " الشهداء " من لافتة المحطات بداخل العربة رغم تحولها رسمياً إلى " الشهداء " , فيعود أنصار مبارك إلى كتابة اسمه كما كان سابقاً على نفس المحطة , ليعود أنصار الشهداء الذين أنا منهم طبعاً بكل فخر , إلى الكتابة على الكتابة , أو إلى " كحت " ما تمت كتابته . وربما , عدا الدقى والعجوزة , ارتاحت عيناى بعودة جرافيتى الوحدة الوطنية وسباب الحزب الوطنى والدعوة لسقوط مبارك على جدران المحور المذكور ومناطق أخرى . لكن يبدو أن المجلس العسكرى أو الشرطة العسكرية نسيا أننا كنا نكتب على الدبابات المصرية قبل تنحى المخلوع " يسقط مبارك " , ونقوم بالتصوير مع الجنود بجوار ذات المدرعات. ويبدو أن صناع القرار لا يحبون تذكر أن بداية أزمة الجزيرة وقت الثورة , مع نظام مبارك , وأزمتها معه قديمة كما نعرف , تعود إلى اللفظ أو الصفة النابية التى قرأناها عن الرئيس المصرى المخلوع قبل تنحيه على جدران كوبرى أكتوبر ذات فجر .. كلمة نابية جداً لا يمكن كتابتها , لكن أحد المواطنين كتبها , ولأنه يمكن تصوير ما لا يمكن التلفظ به , قامت الفضائية القطرية بتصويرها . أنا شخصياً كنت فى قمة البهجة وأنا أراها . القبض على الناشط على الحلبى من الشرطة العسكرية وتحويله للنيابة العسكرية حيث ما زال محتجزاً , ليس معروفاً هل هو بتهمة كتابة على الجدران ضد الحزب الفاسد المجرم الذى خرج عليه المصريون بالملايين , أم قُبِض عليه لأنه من " 6 أبريل " . الآن أعرف تماماً ماذا كان سينتظرنى , مع كونى لست من " 6 أبريل " , لو كنت ُ اشتريت السبراى الأسود للكتابة الجرافيتية . كنت ُوما زلت أريد الكتابة على " الوسخ " الذى تبقى على جدران مبنى سنترال الدقى بجوار بيتنا حيث بقى اسم مخلوع أحتقره وأكره كل مافعله بمصر .. أن أعيد طلاء كلمة " يسقط " التى كتبها شاب أو مصرية لم يخافا , فى عز الثورة , من رصاص قناص , ومكثا دقائق يجازفان فيها بحياتهما , ليكتبا كلمة حق فى وجه طغيان الفاسد المفسد . حين يُعَاقب مجموعة من المواطنين ويتم فصل عشرة طلاب لمدة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام لأنهم أُدينوا بالتظاهر – هذه هى الجريمة !!! – للمطالبة برحيل وزير التعليم الأسبق د. أحمد زكى بدر – لأنه ما زال يرأس أكاديمية أخبار اليوم ! , وحين يكتب مدونون ونشطاء مثل بثينة كامل ولبنى محرم ولؤى نجاتى وغيرهم على مواقع تويتر وغيره بالإنترنت , وصاياهم حال تعرضهم للقنص أو أية صورة أخرى من صور القتل , بعد الثورة , بوصفهم " شهداء تحت الطلب " حيث يعرضون أوصالهم وأطرافهم للتبرع للمصابين بينما يهجم الوطنى المنحل ( كم تليق به الكلمة ) على حفلة صناعة الأحزاب ولعبة الانتخابات كتنين جريح لم يلعق جراحه بعد لكنه عازم على تكبيد من سببها له ضربة قاضية . . . حين يحدث كل هذا وما سيحدث غداً , وقد يكون ماسبيرو جديدة , فنحن فى أمس الحاجة إلى ثورة أخرى , لا مليونية فقط , لا تقع فى فخ المثالى والسلمى الذى استنزف مصر ويكاد يذهب بدماء شهدائها التى داس عليها الفلول العائدون , أصدقاء المدرعة .