مات أنيس منصور.. بعد أكثر من 8 عقود عاشها طولا وعرضا ذارعا جنبات العالم مشتغلا بالصحافة متأملا لأحوال الناس والتاريخ محبا للأدب والفنون مستمتعا بالغرائب وما وراء الطبيعة، ومدهشا قراءه ومتابعيه على مدار أكثر من أربعين عاما من قدرته الخارقة على الكتابة طوال هذا العمر المديد، ومطلا عليهم من خلال عموده الأشهر "مواقف" بجريدة الأهرام، ومن زاويته اليومية الثابتة بجريدة الشرق الأوسط اللندنية بالصفحة الأخيرة. "الصحفي النجم".. كان أنيس منصور، حيث تتلمذ في مدرسة صناعة الصحفيين النجوم.. كانت بدايته في عالم الصحافة في مدرسة "أخبار اليوم" الصحفية العريقة، حينما انتقل إليها مع كامل الشناوي، وتتلمذ على يد مؤسسيها الأستاذين الكبيرين مصطفى وعلي أمين، ثم ما لبث أن تركها وتوجه إلى "الأهرام" في مايو عام 1950 حتى عام 1952 ثم سافر أنيس منصور وكامل الشناوي إلى أوروبا، وفي ذلك الوقت قامت الثورة وقام أنيس منصور بإرسال أول مواضيعه إلى "أخبار اليوم"، وكان يقول: "كانت بدايتي في العمل الصحفي في أخبار اليوم.. وهذا بالظبط ما لا أحب ولا أريد.. فإني أريد أن أكتب أدباً وفلسفة، فأنا لا أحب العمل الصحفي البحت.. فأنا أديب كنت وسأظل أعمل في الصحافة". هكذا وصف أنيس نفسه وهكذا عاش.. محبا للآداب والفنون، دارسا للفلسفة ومدرسا لها، مشتغلا بالصحافة وأستاذا من أساتذتها، ومسهما في كل تلك المجالات وغيرها بكتب ومؤلفات قاربت ال 200 كتاب تشكل في مجموعها مكتبة كاملة متكاملة من المعارف والعلوم والفنون والآداب والسياسة والصحافة، عكست نظرته ورؤيته للكون والإنسان والحياة وساهمت في تشكيل وجدان وثقافة أجيال عديدة من الشباب في العالم العربي كله. "الأسلوب هو الرجل"، كانت هذه العبارة محل اعتقاد ويقين أنيس منصور، فاختط لنفسه وطوال مسيرته الصحفية والكتابية أسلوبا خاصا يمكن أن تعتبره البصمة الأسلوبية الخاصة التي لا يمكن أن تتكرر بين ملايين البشر ولا حتى بين آحاد الكتاب! كان يقول: "الأدب والفن: أسلوب.. وأنت تساوي أسلوبك!" (راجع جمله القصيرة المكثفة وتقطيعه للكلام.. انتقالاته والتفاتاته بين الجمل والفقرات..الومضات الكتابية.. البراعة الخارقة في صياغة العناوين) وربما كان أنيس منصور رائد هذه المدرسة في الصحافة المصرية بلا منازع (من أبرع تلاميذها الآن الكاتب الصحفي والناقد السينمائي محمود عبد الشكور) أنيس محمد منصور، كاتب صحفي مصري مخضرم، ولد في 18 أغسطس 1924 عاصر فترة جمال عبد الناصر، وكان صديقاً لمحمد أنور السادات، خريج كلية الآداب قسم الفلسفة. قرأ للعديد من الفلاسفة المشاهير. عاش أنيس محمد منصور، المولود في 18 أغسطس 1924م، طوال حياته وهو ملء السمع والبصر، معروفا مشهورا، مزهوا بثقافته ومكانته، عاصر الملكية وشهد حكم عبد الناصر وتأذى منه، وعاصر السادات وكان مقربا منه، ولم يمت إلا بعد أن رأى سقوط نظام مبارك وانهيار حكمه بعد 30 عاما قضاها متربعا على عرش مصر! راوح بين الصحافة والأدب والفن والفلسفة، وكان من أصغر رؤساء التحرير في مصر حيث تولى رئاسة تحرير مطبوعة وهو لم يكمل الثلاثين من عمره، وتنقل بين أشهر المؤسسات الصحفية في مصر، "أخبار اليوم" و"آخر ساعة" و"الأهرام" و"الهلال"، حتى كلفه الرئيس السادات بتأسيس مجلة أكتوبر في عام 1976 ليكون رئيسا لتحريرها ورئيسا لمجلس إدارة دار المعارف حتى سنة 1984. كان أنيس منصور الصحفي الأول للسادات بعد 1975، وكان صديقا مقربا وكاتما للأسرار، ويعلم الكثيرون أن ما في خزانة أنيس منصور من الأسرار والحوارات والوثائق والتسجيلات لا يقدر بثمن ولم يكشف عنه لأسباب لم يفصح عنها حتى مات. رحمه الله.