نشر وكيليكس الموقع الشهير بالتسريبات الدبلوماسية الأمريكية منذ فتره برقيات عدة لم تحظ وقتها بالإهتمام ودارت جلها حول سلوكيات النظام الأسدي. منها برقتين للسفارة الأمريكية من دمشق مؤرختين في العام 2009, حيث وصف مسؤول دبلوماسي بارز كيفية تفكيرالرئيس السوري بشارالأسد ومعاونيه من موظفي الحكومة وطريقة تعاطيهم مع القضايا المختلفة. ما جاء في البرقيتين يفسرلنا سلوكيات الأسد الإبن وحكومته حين يتناولون ما يسمى بالتوجهات الإصلاحية من جهة, وحين يتم نعت المتظاهرين بأبشع التهم, وتهميش لنصائح المجتمع الدولي وقراراته مع استمرار تمسكهم في أعمال القمع والقتل واتباع التسويف ليتمكن النظام من القضاء على المظاهرات وقمع الثورة -من جذورها - المطالبة برحيل الأسد وسقوط النظام من جهة أخرى, وهوالأمر الذي لم يتمكن من فعله رغم مضي أكثر من تسعة أشهرعلى قيام الثورة . لقد جاء في البرقية الأولى بعض المقاطع المثيرة عن سلوكيات الرئيس الأسد وهي أوصاف لاتثيرالدهشة فحسب بل ترسم صورة لأسباب القتل والقمع من التعالي والسمو, وتقول الوثيقة : "بشار يفضل الإنخراط دبلوماسيا على العوائق, وهي ديبلوماسية مصمَمًة لإحباط أي تحد مباشر لسلوك النظام في سوريا, كما أن غرور وكبرياء بشارهو كعب أخيل كما غموضه - و بشار يفضل أن يراه العالم كالملك الفيلسوف, "برسلس" دمشق من خلال ظاهرة كاذبة تكمن في إصطناع القدرات الفكرية, وهي طريقته لكسب الثقة والإذعان له من الاخرين - أما "الكبرياء والمحافظة على الذات تلعب دوراغير مناسب في سياساته ونشاطه الدبلوماسي", وعن الإجتماعات والزيارات الخارجية قالت الوثيقة :انها تهدف إلى تعزيزالإحترام له ولهيبته. واللقاءات التي تنطوي على مفاوضات أو مناقشة يرفضها ويفوض بها أخرين - وعندما يشارك في القمم أو الإجتماعات أوالزيارات الخارجية يسعى في كثيرمن الاحيان لتقتصرعلى حلفاء لتعزيزالإحترام له ومن مكانته " وجاء في البرقية الثانية عن سلوكيات موظفي الحكومة السورية أوصاف ونعوت كثيرة منها أنهم يكذبون على كل الأصعدة والمستويات وبأسباب مختلفة ولا يخجلون منها, ويكذبون إما من الخوف وخشية العقاب, أوعندما لا يعلمون الإجابة أو كيف يردون, أو لتجاهل الرد. وحتى أنهم يكذبون أمام الأدلة على عكس ما يقولون. الكبرياء وحب الذات من سمات موظفي الحكومة السورية. وترجمة ذلك الكذب والتعالي السمة الغالبة على دبلوماسية الحكومة السورية. وبالنظر لكلا البرقيتين الدبلوماسيتين من ناحية أسلوب عمل الإدارة الأسدية, فإن التعابير احتوت على كلمات قد توصف بالنرجسية كسياسة وبالكذب كأسلوب عمل. وكما يوصف الأطباء النفسييين الشخصية النرجسية فإنها نمط معروف من العظمة تتسم بالإعجاب بالنفس وتضخم مفهوم الذات تضخماً لا يشفع له الإعتذار ولا يجدي معه التغاضي. كما يغلب على النرجسي الكبر والأنانية والكذب والرياء. وعموما دخول المرضى المصابين بحالات الشخصية النرجسية الشديدة إلى المستشفى للعلاج أمر شائع. ومن خلال هذا التفسير بالنرجسية ودلالاتها, رأينا الحكومة السورية وإعلامها عندما تسأل عن أعمال القمع والقتل التي تقوم بها, يكون ردها الدائم هوالتحدث عن الأخرين لعدم أحقية السائل بسؤاله بالإضافة إلى وصف الداخل السوري بغيرما هوعلى أرض الواقع كما في جمع من ليس لهم حول ولا قوة من طلبة المدارس وموظفي الحكومة والجيش للهتاف إلى الرئيس كما فعل القذافي قبلها في ليبا. كما أن أعمال الإصلاح في نظرها هو سن أنظمة جديدة لقمع ووقف المتظاهرين. فهي لا ترى خطأها وإنما ترى فقط خطأ المتظاهرين بالتظاهر والمطالبة بالإصلاح. كما ترى بأن الحلول الإصلاحية عندما يطلب منها ذلك إما محليا أو خارجيا, هي إما القمع الامني أوالقمع القانوني النظامي ولا تنظرإلى الأسباب الداعية له. فلا غرابة إذاً من رفض تلك الحكومة أية مبادرة شأنها الإصلاح الإداري أوالهيكلي. وما غرور وكبرياء النظام إلا كعب أخيل كما في الأسطوره الإغريقية أو كما قالت البرقية ومسمارجحا بتفسيرها العربي. وما الرؤية على أن بشارالاسد كما وردت في البرقية انه برسلس ذاك الإغريقي الحاكم الدكتاتورالذي أراد بناء إمبراطورية من خلال رؤيته لتمجيد اليونان, إلا مدعاة إلى التعجب من خيلاء الرئيس وتطلعاته. ومن الواضح أيضا أن ما دعى الشعب السوري إلى الخروج على حكومته وما كان من العلاج النفسي بفرض عقوبات دولية مختارة على موارد النظام وأعوانه إلا بأسباب تشخيص دقيق لسلوكيات النظام ولم يأت ذلك من فراغ. وما عدم إستجابة الحكومة الأسدية لوقف إراقة الدماء إلا الدليل وإثبات صحة التشخيص لإستحالة الحكومة معالجة أخطائها أو التعديل من مسارها. ولعل المطالبين والقائلين بفقدان شرعية الرئيس السوري واعين لما يقولون. وإن ردة فعل حكومة الأسد بالرفض تارة والتحفظ تارة أخرى علي القرارات الدولية كما مع جامعة الدول العربية واجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير ومناشدة زعامات العالم لوقف حمام القتل والبدء في الاصلاح إلا لعدم اكتراثه في المجتمع الدولي وزعاماته لعليائه كما في البرقيات الدبلوماسيه. ومن الجلي أيضا للعيان أن العلاج الحقيقي يكمن في الإستجابة لإرادة الشعب السوري من قبل المجتمع الدولي في فرض المزيد من الضغوطات والعقوبات الدولية ومن دعم للمجلس الوطني السوري وجيش سوريا الحر, لا من تأجيلها, والإسراع فيها لحقن الدماء أو كما ينصح الأطباء النفسيون بالدخول للمشفى من أجل العلاج.