زمان وأنا صغيرة لما كان حد غريب يسألني: «بتحبي أم كلثوم ولا لأ؟!» كانت إجابتي قاطعة لا تقبل الشك: «طبعا باحبها»، مع أني في ذلك الوقت ماكنتش سمعت لها أغنية واحدة علي بعضها، لكن ماكانش ينفع أقول إني ما باحبهاش أو ما باسمعهاش، بل إنني أحيانا كنت أتطوع من غير ما حد يسألني، وأؤكد لهم أنني أحبها، لكي أكسب «بنط» عند الكبار، خصوصًا الغرباء منهم! أمِّال يعني هاقولهم إني باحب إيهاب توفيق! وظلت لدِي حالة العشق الإجباري هذه، حتي أعلنتها بوضوح في المرحلة الإعدادية: «أنا مابحبش أم كلثوم». أمِّا لماذا؟ فالأسباب كثيرة: أولا: لأن «الست» تعتمد علي مبدأ «في الإعادة إفادة»، فهي تعيد وتزيد في كل كلمة، ثم تعيد الجملة بأكملها، قبل أن تعيد الكوبليه نفسه مرة واتنين وثلاثة، حتي إن شريط الكاسيت لم يكن يستوعب أكثر من أغنية واحدة.. «وش وضهر»، وهو بالتأكيد أمر مزعج بالنسبة لناس لديها اهتمامات حياتية أخري غير أنها تسمع أغنية واحدة! ثانيًا أغنياتها تبدو معقدة، وموجهة لمن عاصروها فقط، وليست للأجيال الجديدة، بالإضافة إلي أني كنت أجد مشكلة في طريقة وقفتها علي المسرح، وملابسها الكلاسيكية جدا، وتسريحة شعرها، ومنديلها الذي كان يصيبني بالتوتر. ومرت الأيام واستمعت بالصدفة لأغنية «حيرت قلبي» بتركيز شديد، لكن هذه المرة كان استماعي بكامل إرادتي، فضبطت نفسي مستمتعة بحدوتة العشق التي كتبها أحمد رامي، وانتظرت منها أن تعيد الكوبليه مرة أخري، عندما اكتشفت أنها تعيده كل مرة بطريقة مختلفة، ووجدتني أهلل بيني وبين نفسي مع هؤلاء الذين يهللون لها مع نهاية كل كوبليه، واستمعت بتركيز لأغاني «سيرة الحب» و«دارت الأيام» و«فات الميعاد» و«انت عمري»، وغيرها، فلم يعد شريط الكاسيت الذي يحتوي علي أغنية واحدة «وش وضهر» يمثل أزمة بالنسبة ليّ، ولم أعد أشعر بذلك الفارق الزمني الكبير بيني وبين موضوعات أغانيها.. صحيح إنني مازلت أكره طريقة وقفتها علي المسرح، وتسريحة شعرها التقليدية زيادة عن اللزوم، وملابسها الكلاسيكية جدا، وصحيح أن منديلها مازال يصيبني بالتوتر، لكن هذه التفاصيل لم تمنعني من العودة - بنفس الحماس بتاع زمان- لإجابتي القديمة: «طبعا بحبها»، وهي الإجابة التي تخيلت - عندما وصلت للمرحلة الإعدادية- أنني تخلصت منها للأبد.