لم أكن أطيق أم كلثوم.. كنت أرفضها من منطق رفضي لأشياء كثيرة يجبرنا عليها الكبار، كالفانلة الحمالات وتحية العلم.. نهاية بقصة الشعر الساذجة «علي جنب».. كنت أخاف منها ولا أشعر تجاهها بأي مودة، فقد كانت في كثير من الأحيان بالنسبة لي تشبه الإخصائية الاجتماعية عندنا في المدرسة. أما صوتها فلم أكن أجد فيه أي شيء مميز علي عكس دفء صوت فايزة أحمد مثلاً أو طيبة صوت عبد الحليم أو شادية التي كنت أشعر أنها بنت خالتي.. هكذا كانت علاقتي بأم كلثوم إلي أن التحقت بالجامعة ومارست كل طقوسها.. طلعت كارنيه.. أكلت «برجر».. صورت ملازم.. زوغت من محاضرات، وبالطبع أحببت! وقتها وجدت نفسي أسمع أم كلثوم إجبارياً.. لا أعرف لماذا! فقط شدتني أغنيتها «حيرت قلبي معاك».. ربما للحبكة الدرامية الموجودة في الأغنية والتي تحكي عن حبيب متمزع بين عزة نفسه وبين حبه، وبعد تلك الأغنية وجدت نفسي مدمناً لإذاعة أم كلثوم في تمام الخامسة من كل يوم. أسمعها علي الراديو فقط «بنغوشته» وصوت تردده المذبذب.. هكذا كانت الحالة، وهكذا تعرفت علي معظم أغاني أم كلثوم، والنتيجة أنني لم أحبها أيضاً.. فقط مر علي صوتها كمرور «التطعيم» علي أي طفل لا حول له ولا قوة! أسمعها.. أُعجب بألحان العباقرة بليغ حمدي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، لكن بدون أن أردد «الله يا ست»، أو «كمان يا سومة»، بل أحياناً وفي مقاطعها التي تعيدها مراراً وتكراراً، كنت أردد: «إنجزي يا سومة». ربما زاد من عدم محبتي لها علاقتها بالسلطة، كما يحلو للمثقفين أن يطلقوا، فأم كلثوم غنت للملك ثم غنت لعبد الناصر، وأعتقد أنها لو كانت حية ترزق بيننا الآن كانت ستغني للرئيس حسني مبارك ولابنه جمال وربما غنت «عاوز تهده هاتله جدو» علي هامش فوزنا الساحق الماحق بكأس الأمم الأفريقية.