نجحت قواتنا المسلحة فى كسر أسطورة " الأمن الإستراتيجى " التى روجت لها إسرائيل بعد نكسة 67 لإضعاف الروح المعنوية للقيادة السياسية المصرية.. حيث أدت حرب السادس من أكتوبر 1973 إلى إدراك الشعب المصرى أنه يستطيع بالفعل وضع نهاية لإحتلال الأرض وإهدار الكرامة الذى ذاقه فى أعقاب النكسة . لم يدور فى ذهن القادة الإسرائيليين على الإطلاق أن الجيش المصرى يخطط لتنفيذ عملية واسعة النطاق فى عمق الأراضى المحتلة تهدف فى المقام الأول إلى تحرير ولو جزء فقط من هذه الأراضى، وذلك نتيجة للغطرسة الفجة التى سيطرت على قلوب وعقول هؤلاء القادة، والتى رسمت أيضا جميع سياسات الكيان الصهيونى فى علاقاته السياسية مع جميع البلدان العربية فى ذلك الوقت . كانت خطة العبور التى وضعها قادة القوات المسلحة الأبطال تهدف إلى إستعادة أرض سيناء عسكريا، وبالفعل نجحت هذه الخطة فى تحقيق الهدف بعد صنع القوات المصرية لأسمى البطولات، وتقديمها أغلى التضحيات من أجل هذه القطعة الغالية من أرض الوطن . كنا ننتظر بعدها أن يتم التخطيط لعبور من نوع أخر، وهو العبور نحو تنمية المنطقة صناعيا وتجاريا وسياحيا وسكانيا أيضا حتى تصبح عمقا إستراتيجيا نستطيع من خلاله إحتواء أية تهديدات قد تصدر عن العدو المتغطرس عند حدودنا الشرقية.. ولكن كانت الإستراتيجية التنموية المنتقصة، وكذلك إنعدام التخطيط العمرانى من قبل النظام البائد فى المنطقة هو العامل المسيطر، حيث تم إختصار الملف السيناوى فى نظرة أمنية مطلقة، تعتمد بالأساس على عزل هذا الجزء الغالى من التراب المصرى عن بقية أنحاء القطر عزلا كاملا . ولكننا مازلنا نعقد الأمال على العبور الأعظم، الذى إستطعنا بفضله أن نطيح بصديق الصهاينة الحميم فى 11 فبراير، كما أطحنا بالصهاينة أنفسهم فى أكتوبر 1973... فبعد تنحى المخلوع، قبل الشعب أن يتولى رجال القوات المسلحة مسئولية إدارة شئون البلاد لما لهذه المؤسسة من رصيد، ولما تحظى به من تقدير وثقة بين أبناء الشعب المصرى.. ولكن ما نلاحظه هذه الأيام هو أن مؤشر هذه الثقة بدأ فى الهبوط، وخاصة مع تعمد المجلس العسكرى مد المرحلة الإنتقالية، وعدم وضع جدول زمنى واضح لتسليم السلطة إلى رئيس مدنى وحكومة منتخبة، وبالتالى كثرت الأقاويل والإستنتاجات التى تتبنى نظرية عزم المجلس العسكرى البقاء فى السلطة، وتكرير سيناريو 1954 . الحقيقة أن مضمون المسار الذى قام بطرحه المجلس العسكرى لما تبقى من المرحلة الإنتقالية قد يؤدى إلى إستمرار حالة عدم الإستقرار والغليان المجتمعى والسياسى التى نعيشها الأن حتى مطلع عام 2013، حيث أن المجلس مازال مصمما على صياغة دستور جديد للبلاد أولا قبل دعوة الناخبين لإختيار رئيس الجمهورية القادم، فى حين أن الطرح الذى تقدمت به العديد من القوى السياسية وكذلك عدد من مرشحى الرئاسة المحتملين يتحدث عن تاريخ محدد هو يوم 20 إبريل القادم كحد أقصى للمجلس العسكرى لتسليم السلطة إذا ما قرر عقد الإنتخابات الرئاسية دون النظر إلى طبيعة الدستور الجديد . وبعيدا عن كل هذه الخطوات الإجرائية فإنه من المؤكد أن المجلس العسكرى لا ينوى ضرب كرسى فى الكلوب هذه المرة ببقاءه فى السلطة، وإنما لا شك أنه يحاول بقدر الإمكان مد المرحلة الإنتقالية لأنه يعتقد أن التسرع فى نقل السلطة قد يؤدى إلى حدوث خلل سياسى ناتج عن سيطرة قوة حزبية أو تيار سياسى على مواقع إتخاذ القرار، وبالتالى فهو يرى أنه لابد من ترسيخ بعض التوازنات بين القوى السياسية أولا لضمان سير عملية الإنتقال نحو الديمقراطية بشكل سليم . إذا كان هذا هو التصور الفعلى الذى يتداوله الأن أعضاء المجلس العسكرى فيما بينهم، فأعتقد أنه ربما يضع المجلس فى ورطة سياسية كبيرة عند الشروع فى تنفيذه، لأن المجلس العسكرى قام بالفعل بإلغاء المادة الخامسة من قانون مجلسى الشعب والشورى بما يسمح بمنافسة الأحزاب أيضا على المقاعد التى تتبع النظام الفردى، أضف إلى ذلك نجاح القوى السياسية فى الضغط على المجلس العسكرى لإصدار وثيقة العزل السياسى لجميع رموز الحزب الوطنى المنحل، وبالتالى ترك الساحة خالية أمام تيارات الإسلام السياسى الأكثر تنظيما وجاهزية لخوض الإنتخابات والسيطرة على مجلس الشعب القادم.. لذا فقد يلجأ المجلس العسكرى إلى الورقة الأخيرة التى ربما لن ترضى عنها جميع الأحزاب والتكتلات السياسية والتى تتلخص فى عدم إتاحة الفرصة للأغلبية التى سوف تتشكل تحت قبة البرلمان القادم فى تشكيل الحكومة . من الواضح إذن كثرة العقبات التى تقف فى طريق " العبور نحو الديمقراطية "، ومن الواضح أيضا أن المجلس العسكرى ربما يكون له دورا بشكل أو بأخر فى وضع هذه العراقيل حتى يتم التحول السياسى فى البلاد وفقا للقواعد التى وضعها ربما ليحفظ للمؤسسة العسكرية مكانة معينة لا تسمح للرئيس القادم بالإنقلاب عليها، أو الحد من صلاحياتها كما حدث فى تركيا.. فهل هذا هو كل ما يخبأه المجلس العسكرى لنا ؟.. وهل سوف يفى المجلس العسكرى بوعوده حول إلغاء حالة الطوارىء قبل البدء فى الإنتخابات التشريعية ؟.. وهل سوف يصدر القرار المرتقب بتفعيل وثيقة العزل السياسى وتطبيقها على فلول الوطنى المنحل ؟!.. لننتظر ونرى !!.