الواجب يحتم علينا الإمساك بالفرصة والدفع بالبرادعي مرشحاً حقيقياً علي منصب الرئاسة البرادعي في مقاله المعنون «قد تخسر مصر مرشحًا للرئاسة لكنها ستكسب مناضلاً» والمنشور في جريدة «الدستور» يوم الأحد 31 من يناير الماضي، ختم الصديق المهندس أحمد بهاء الدين شعبان مقاله قائلاً: «السلطة الاستبدادية في مصر، وإن كانت ستحرمنا من مرشح نزيه ومحترم في معركة الرئاسة المقبلة، فإنها ستهدي مصر، وتهدينا، نحن المقاتلين من أجل حرية شعبنا ومصالح مواطنينا واستقلال وطننا، مناضلا من قامة رفيعة...». وذلك استنادا إلي ما اعتبره اختلالا شديدا في توازنات القوي في المجتمع لصالح النظام المستبد القائم، وعدم استعداد هذا النظام لتقديم أي تنازل لصالح الحركة الشعبية في اتجاه الإصلاح السياسي والديمقراطي. الاختلال في توازن القوي لصالح السلطة الاستبدادية صحيح في مقارنته بقوي المعارضة إذا اعتبرنا الأحزاب القائمة معارضة فعلا لهذا النظام، وصحيح أيضا إذا كان المقصود أن تهب الحركة الجماهيرية في مظاهرة مليونية يفر رموز السلطة بعدها إلي طائراتهم الخاصة لتنقلهم خارج البلاد، في سيناريوهات وهمية رددها الكثيرون مع الأسف في السنوات السابقة، وكانت أحد أسباب عجز قوي ما سمي بالحراك السياسي في انتزاع بعض المكاسب رغم كل الجهود التي بذلتها. ولكن النظر للأمور بطريقة مختلفة يمكن أن يؤدي لنتائج مغايرة، فالصورة ليست ثابتة عند هذا الاختلال في توازن القوي سواء من ناحية النظام أو من ناحية الحركة الشعبية. فالنظام تتراكم المؤشرات علي تحلل قبضته المركزية تاركة مساحة تزداد كل يوم ليملأها صراع المجموعات المتباينة داخله حول سلطة اتخاذ القرار في القضايا المختلفة. هذه التباينات مرشحة للتحول سريعا إلي صراع حول انتقال السلطة، وهي المرحلة التي بدأت بالفعل ويكون النظام فيها عادة في أضعف حالاته بحثا عن شرعية جديدة وحلف جديد من المناصرين، فما بالك والوريث الأكثر احتمالا لا يحظي بأي شعبية أو مشروعية، والدلائل عديدة علي أن مجموعات كثيرة داخل النظام نفسه تقاوم مشروع تنصيبه خلفا لوالده. إن لحظة انتقال السلطة هي اللحظة الأنسب بما لا يقاس لتكثيف الضغوط وانتزاع التنازلات من جانب النظام أو المكاسب لصالح تطور النظام السياسي والحركة الشعبية. وعلي الجانب الآخر، فإن هذه الضغوط تتزايد فعلا يوما بعد يوم مستغلة اتساع مجالات التعبير عن الرأي والنقاش في الصحف والفضائيات وعلي شبكة الانترنت، وتتزايد أيضا بفضل اغتناء المجال العام بعشرات أو حتي مئات المنظمات المعنية بالحقوق المختلفة للمواطنين، والأهم أنها تغتني بحركات اجتماعية واحتجاجية تضم جميع الفئات الشعبية تقريبا من مهنيين وعمال وفلاحين وشباب يبحث عن فرصة للمشاركة في تحديد مستقبل البلد الذي يعيش فيه. إذا نظرنا للجانبين معا، النظام في لحظة انتقال السلطة والضغوط التي تمارس عليه من كل جانب، يمكننا الاستنتاج أن توازنات القوي التي تبدو في اللحظة الراهنة أنها تميل وبشدة لصالح النظام، مرشحة للتغيير ربما أسرع مما نتصور. يكفي أن ننظر لمتغير لم يكن في الحسبان مثل الحالة التي فجرتها أحداث العنف الطائفي ضد المسيحيين والمؤشرات الواضحة علي خروج قطاعات واسعة منهم من عباءة الكنيسة والسعي لدور أكبر في العمل من أجل دولة مدنية حديثة تحفظ حقوقهم. باختصار يمكن القول إن الإطار السياسي الحاكم أصبح يواجه ضغوطا حقيقية من أجل إصلاحات تسمح باستيعاب القوي الجديدة في المجتمع. أضف لما سبق ردود الفعل علي إعلان البرادعي استعداده للترشح للرئاسة والحماس الذي أتي أساسا من خارج النخب السياسية المعارضة، والذي يبشر بخريطة سياسية جديدة عمادها قوي اجتماعية وفاعلون سياسيون جدد تحتاجهم بشدة حياتنا السياسية. هل يصح في هذه الظروف أن نكتفي بالبرادعي مناضلا جديدا من أجل الديمقراطية، أم أن الواجب يحتم علينا الإمساك بالفرصة والدفع به مرشحا حقيقيا علي منصب الرئاسة؟ أزعم أننا أمام فرصة حقيقية لاحداث شرخ عميق في جدار الاستبداد، ونخطئ بشدة إذا أضعنا هذه الفرصة بتخفيض سقف طموحاتنا وعدم خوض المعركة المقبلة بما تستحقه من جسارة واستعداد للتضحية. أما عن كيف يخوض البرادعي ونخوض معه معركة الرئاسة المقبلة، فسؤال ليس لدي شك في أننا سنجد الإجابة عنه معا.