ليس المهم أن يكون الحاكم وحده عظيما حتى يكون ناجحا فذا يذكره التاريخ، لكن المهم أن يحاط بعدد من رجال الدولة الأوفياء العباقرة الذين يساعدونه على تحقيق أحلامه وطموحاته ويمدونه بالأفكار النيرة وينفذون خططه غير المسبوقة ويطورون الواقع الصعب متجاوزين الممكن إلى سماوات المستحيل الرحيبة والبعيدة. وحتى تحقق مصر الثورة حلمها القديم الجديد بالنهضة والعدالة والديمقراطية والكرامة الإنسانية، أسوق مثالا من مصر الفرعونية يوضح عظمة الحاكم ورجل من رجال دولته وذلك حتى تنهض مصر وتصل إلى أفق الرخاء والديمقراطية. عاش المهندس العبقرى إيمحتب فى عهد الملك "زوسر"، من أوائل ملوك الأسرة الثالثة فى عصر الدولة القديمة، أو ما يعرف ب"عصر بناة الأهرام"؛ نظرا لما بناه ملوك هذا العصر الذهبى من أهرام ليس لها مثيل لا تشهد على التقدم الهندسى والفلكى والمعمارى فحسب بل تشهد أيضا على عبقرية المصرى القديم الذى عزف سيمفونية رائعة حين أدار منظومة العمل التى ساهمت فى بناء هذه العجائب المصرية الفريدة باقتدار ما بعده اقتدار. وحكم الملك زوسر مصر حوالى 21 عاما تقريبا. وكان هذا الملك من الملوك القلائل المهمين فى مصر الفرعونية. وأراد أن يشيد أثرا مهما؛ فهداه تفكيره إلى بناء الهرم المدرج فى سقارة كى يكون أول هرم يبنى فى العالم وأكبر بناء من الحجر على نطاق واسع. وأشرف العبقرى إيمحتب على بناء هرم مولاه الملك زوسر وأجزاء مجموعته الهرمية المختلفة. واستخدم الحجر فى تلك المجموعة الهرمية المبكرة على نطاق واسع لم يستخدمه معمارى مصرى من قبل، كما نفذ عناصر العمارة النباتية واللبنية السابقة فى العمارة الحجرية فى مجموعة ذلك الملك، فضلا عن تحويل مقبرة مولاه الملك من مجرد مصطبة ذات مدرج واحد إلى هرم مدرج متعدد الدرجات تبلغ ستة مدرجات من الحجر. واكتملت عناصر الهرمية الخاصة بذلك الملك وصارت واحدة من أروع المجموعات الهرمية من عصر الدولة القديمة بفضل عبقرية المهندس المعمارى إيمحتب وتفهمه لأوامر ورغبات مولاه الملك المحبوب زوسر. وحدث فى العام الثامن من عهد الملك زوسر، أغلب الظن، أن عز فيضان نهر النيل؛ فقلت الحبوب والمحاصيل الزراعية، وشعر جميع أهل مصر بوطأة وعظم أمر المجاعة التى لحقت بالبلاد. وساد الحزن القصر الملكى وأخذ الملك المحبوب فى البحث عن أسباب ذلك الجوع الذى حل ببلاده ذات الرخاء الكبير؛ فدعا إلى حضرته الملكية رجل الدولة المحبوب إيمحتب وطلب الملك منه أن يتعرف إلى منابع نهر مصر الخالد والإله الذى يتحكم فيه؛ فاختلى العبقرى بنفسه وبأوارقه، ورجع إلى الملك زوسر يخبره بأن مدينة إلفنتين (فى مواجهة مدينة أسوان الحالية) هى التى يتجمع عندها النهر وتتحكم فى مائه. فقام الملك على الفور بتقديم القرابين لآلهة وإلهات المنطقة. وحينما نام الملك فى تلك الليلة العصيبة، جاء إليه الإله خنوم، سيد منطقة إلفنتين، فى المنام قائلا:"أنا خنوم الذى خلقك، أنا الذى أؤيدك، أنا الذى خلق الأرض، وأعطيت الأحجار، فبنى بها الناس المعابد...، أنا نون العظيم (المحيط الأزلى)، أنا الفيضان....". ولما استيقظ الملك من نومه، أدرك عظمة وأهمية منطقة إلفنتين ورب أربابها المعبود الخالق، الرب خنوم؛ فقرر تخصيص عددا كبيرا من أوقاف وخيرات المنطقة للإله خنوم ومعبده وكهنته. وأصدر الملك أمرا ملكيا يخاطب فيه المعبود خنوم بحدود الأوقاف الملكية التى رصدها الملك لإلهه المبجل. وازدهرت كذلك مدينة الشمس "أونو" (هيلوبوليس قديما، عين شمس والمطرية حاليا) فى عهد الملك زوسر بفضل العبقرى إيمحتب الذى حمل لقب "كبير المشاهدين" للسماء لرصد حركة النجوم والكواكب؛ وفى ذلك ما يدل على تبحر إيمحتب فى علم الفلك أيضا. لقد خلد زوسر وإيمحتب اسميهما عبر الزمن بتلك الأعمال التى تشهد على عبقرية الإبداع وروعة الأداء بين الملك الحكيم ورجل الدولة الأمين. وعاشت كل هذه الأعمال الخالدة بسبب عظمة ووطنية وإخلاص وتجرد حاكم مصر ورجاله. وأعتقد أن هذا ما تحتاجه ثورة 25 يناير إذا أردنا لثورتنا المجيدة النجاح والاكتمال والتحقق.