منذ ظهور مرض إنفلونزا الخنازير عالميًا في أبريل الماضي بدأت الصحف المصرية بمختلف انتماءاتها في تضخيم حجم المرض بشكل مبالغ فيه، حيث لعبت بعض الصحف علي وتر نشر ثقافة الفزع بين المواطنين لترويج صحفها انطلاقا من قاعدة أن الخوف يبيع أكثر. وعلي مدار الأشهر التسعة الماضية تضمنت المعالجة الصحفية المتنوعة للمرض العديد من المعلومات المغلوطة والمتسرعة حول حقيقة الوباء وتوالت الصحف في إطلاق التكهنات ووضعت العديد من السيناريوهات لتطور المرض إلي حد إشارة إحدي الصحف المستقلة إلي استعداد الحكومة لدفن 7 ملايين مصري من ضحايا إنفلونزا الخنازير بالمقابر الجماعية، فضلا عن إصابة 16 مليونا آخرين علي الرغم من أن مجمل الإصابات التي تم تسجيلها رسميا بوزارة الصحة لم يتعد حتي الآن حاجز ال20 ألف إصابة وما لا يزيد علي 260 حالة وفاة. والمراقب للفارق بين الواقع الذي نعيشه الآن بعد سبعة أشهر عن إعلان «الصحة العالمية» إنفلونزا الخنازير وباء عالميا والتكهنات المريبة التي أطلقتها الصحف استنادا إلي معلومات غير متخصصة وتصريحات حكومية أقل ما توصف بأنها غوغائية يدرك حجم الكارثة التي ألمت بالمجتمع وما سببته المعالجة الكارثية من خراب له خاصة العملية التعليمية التي شهدت انهيارا غير مسبوق هذا العام بسبب عدم انتظام الدراسة في الكثير من المدارس، فضلا عن انتشار ظاهرة التغيب الدائم للطلاب والخسائر الاقتصادية الباهظة التي تحملناها في مواجهة الوباء الوهمي الذي مثل رواجا شديدا لشركات الأدوية واللقاحات وحتي شركات صناعة المطهرات والكمامات دون التوقف ولو للحظة لالتقاط الأنفاس ودراسة واقع المرض وتطوراته أسوة بما فعله مختلف دول العالم المتحضر منها والنامي علي السواء والتي تنبهت مبكرا إلي طبيعة المرض واحتمالية وجود شبهة مؤامرة في الترويج للمرض وهو ما فعلته «الدستور» التي أخذت علي عاتقها في أبريل الماضي تقديم جميع المعلومات الواقعية المستندة إلي آراء الخبراء الثقاة للقراء متضمنة إجابات وافية عن جميع الأسئلة المثارة في المجتمع حول طبيعة المرض وخطورته علي بعض الفئات، حيث اهتمت بطرح التساؤلات المشروعة وجميع المعلومات المتاحة حول المرض وكانت الجريدة أول من انفردت بنشر خطة وزارة الصحة لمواجهة إنفلونزا الخنازير والتي أعدتها الوزارة بالأساس لمواجهة وباء متوقع لإنفلونزا الطيور!! كما كانت الجريدة أول من دعت لبحث الانتقادات التي وجهت إلي منظمة الصحة العالمية بتهويل خطر إنفلونزا الخنازير ودوافع إعلانه وباءً بدون مبرر وهو ما قام البرلمان الأوروبي بالتحقيق فيه مؤخرا، كما استعرضت الجريدة لإيمانها العميق بالمسئولية الاجتماعية للصحافة جميع الآراء المؤيدة والمعارضة لإجراءات الحكومة لمكافحة المرض. ومع انحسار المرض محليا وعالميا اتضح للقراء حجم الفخ أو السيرك الذي نصبته الصحف لهم ووجدت أكثر الجرائد مغالاة في تقدير حجم وباء إنفلونزا الخنازير نفسها في موقف حرج أمام قرائها وباتت تبحث عن مبررات لموقفها السابق إلي حد نشرها صفحات كاملة تشكك في المرض بعد أن ساهمت بمشاركة الحكومة وشركات الأدوية علي مدار ال 270 يوما الماضية في استنزاف طاقتهم وأعصابهم وأموالهم.