جلست مصر أمامي.. مهمومة.. تعدل برقعها الذي ما كادت تخلعه وتنهض.. حتي برقعوها من جديد.. وأقعدوها من جديد.. مصر التي ما كادت تشرق.. حتي غيبوها من جديد.. وأطفئوها من جديد.. فغرقت في الحيرة.. وشربت كل فناجين القهوة السادة.. ودارت علي كل قراء الغيب والطالع.. حتي جاءت إليّ.. ناولتني فنجان قهوتها وقالت اقرأ.. فقلت ما أنا بقارئ غيب.. فقالت اقرأ.. فقلت أنا لست مثلهم.. فقالت اقرأ.. فقلت ستغضبين.. فقالت إني غاضبة حتي الموت فاقرأ.. واراني الفنجان الأهوال.. فسكت قليلاً، سكتت، فسكت طويلاً، نطقت.. وقالت انطق.. فقلت لماذا الآن؟؟.. فقالت لأنك لم تنطق منذ ولدت.. فقلت وما فائدة النطق وقد ثقلت أسماع الخلق؟ قالت إني صاغية.. قلت لقد أراني الفنجان رؤي.. قالت اقصصها عليّ.. فقلت رأيت سبعين بقرة عجاف، يأكلهن سبع سمان.. وسكت، فقالت أكمل.. فقلت أري السبعين العجاف تأكل بعضها بعضاً.. فقالت فسر الرؤيا.. فقلت لا أحب التحدث في السياسة.. واخترت الصمت، قالت انطق.. فقلت وما جدوي النطق؟؟ ما أكثر من نطقوا ولا جدوي!!.. قالت الصمت موت، وفي النطق حياة.. قلت وإن كان لا حياة لمن تنادي؟؟.. قالت هذا يأس.. قلت وجهة نظر.. قالت عار عليك.. فأعدت عليها طرح السؤال لماذا أنا الآن؟؟ فقالت لأنك ستموت.. فقلت خمسون عاماً كافية للموت.. فقالت إذن فسر الرؤيا ثم مت.. فقلت تفسير الرؤيا أوضح من قرص الشمس، ويسأل حبراً كل يوم علي أوراق الصحف اليومية، ولكنك لا تقر أين سوي كتب الغيب، لن تجدي تفسير الرؤيا في كتب الغيب، بل هو منشوراً في الصحف اليومية.. قالت وماذا تقول الصحف اليومية.. فقلت تقول الصحف اليومية إن زواج المال من السلطة، والدين من السياسة، قد أنتج ومازال ينتج أخطر أنواع المخلوقات من آكلي لحوم البشر، فهم لا يكتفون بأكل اللحم وشرب الدم فقط، بل يطحنون العظم، ويلتهمون الروح، فترين الناس أحياء وما هم بأحياء، وستنتشر العدوي ويصيب الجميع السعار.. فسكتت وأطرقت ثم سألت: هل سيأكل أبنائي بعضهم بعضاً؟؟.. فقلت لقد أكلوا منذ خمسين عاماً.