حقّهم ولاّ مش حقّهم؟ قال وزير الداخلية سائلا، فأجبته فورا: حقهم يا سيادة الوزير. كان اللواء منصور العيسوى يؤكد لى أنه لم يتردد لحظة فى توقيع قرار الإفراج عن خمسة وأربعين معتقلا من الجماعات الإسلامية، حيث قضوا فترة عقوبتهم منذ سنوات بينما لم يتم الإفراج عنهم، ورغم ما يمر به البلد من توتر وانفلات واستقطاب، وما قد يفرضه هذا من حذر فى مثل هذا القرار، فإنه أصر، يبدو أن هناك من كان يدفعه لإعادة النظر، ولكنه أفرج فعلا، حقهم ولّا مش حقهم؟ طبعا حقهم يا سيادة الوزير، مما يشير إلى احترامك للحقوق ويدفعنى للسؤال: وماذا عن القناصة؟ قلت إن وزير الداخلية صريح وشفاف ولا يبدو أنه سيلجأ إلى المراوغة السياسية والأمنية، لهذا أجاب أنه لا يعرف أن هناك قناصة! مفاجأة، أليس كذلك؟ شخصيا أنا تفاجأت وبدأت متحمسا أشرح ما سمعه الوزير قطعا من غيرى مرارا عن وجود قناصة فوق أسطح مبنى الجامعة الأمريكية (تشاغل الوزير عن هذه المعلومة، وقال: يمكن عند الجامعة قناصة، وسكتّ أنا باعتبارها دعابة)، وعن قناصة فى ميدان التحرير فى موقعة الجمل وبعدها، وعن قناصة فوق سطح وزارة الداخلية يومى 28 و29 يناير! رد الوزير بوضوح أنه خلال موقعة الجمل تقريبا لم تكن هناك لا داخلية ولا أمن ولا رجال شرطة حتى تقول إن هناك قناصة، من أين يأتون؟ ومن يعطيهم الأوامر وليس هناك داخلية أصلا؟ (عندما قلت: إن هناك الوزير محمود وجدى يا سيادة الوزير، رد: كان فيه وزير، لكن مافيش تقريبا وزارة!)، أما قناصة الجامعة الأمريكية فلا توجد أى معلومات عنهم ولا توجد لدىّ أى بيانات عن وجود قناصة للداخلية يومها فى هذا المكان، أما فوق سطح الوزارة فالمبنى هندسيا لا يسمح إطلاقا بأن يضرب قناصة من فوق السطح أحدا فيصيبه، ومع ذلك فلا تنس أنه كان هناك هجوم على المقر بغرض الاستيلاء عليه! هل يدافع الوزير عن رجاله؟ لكن هؤلاء لم يكونوا رجاله ولم يعودوا رجاله، ثم إنه بلا رجال كما يبدو، لكننا أمام معضلتين: الأولى أن ما لدى الوزير من معلومات هو ما قدمه له قيادات سابقة له، وهو ما يمكن التشكيك فى معلوماتهم وفيهم. الثانية أن القناصة فعلا كانوا موجودين (وهل فى ذلك شك؟) ولكنهم ليسوا قناصة الداخلية، إذن إلى أى جهاز ينتمون؟ ومن أى جهة تلقوا أوامرهم؟ هنا سألت الوزير العيسوى: هل فتحت تحقيقا عما جرى فى الداخلية منذ مساء 28 يناير؟ رد بسرعة أنه لم يحقق، بل كان مشغولا بلملمة أشلاء جهاز شرطة ليستعيد عافيته، لكنه بعد هذه الشهور كلف لجنة بتوثيق ما جرى منذ 28 يناير. الفارق هائل بين التحقيق والتوثيق، لكن الرجل يبدو أنه لا يريد فتقا لا يستطيع له رتقا، لكن هل من مصلحة مصر أن تبقى دوائر الغموض لتلف أعناق المستقبل؟ عموما اقترحت على اللواء العيسوى سؤالا واحدا للتحقيق فى الداخلية يتم توجيهه إلى كل الضباط: أين كنت يوم 28 يناير؟ لكن الوزير يفضل جدا الحديث عن وزارته لا عن وزارة الداخلية، بمعنى الوزارة من يوم أن تولاها، حيث يبرز اعتزازه بما فعله من استنهاض الهمة، فقد كان هناك ثلاثة وعشرون ألف هارب من السجون عاد معظمهم، وستة عشر ألف قطعة سلاح تم سرقتها من الأقسام عاد منها ثلاثة آلاف قطعة فقط، يوحى كلام الوزير بأنه مشغول بالتحديات ومنشغل عن الماضى، فمن بين ما قاله عن اقتحام السجون وأقسام الشرطة ما لا يمكن أن يقوله هو علناً أو أنشره أنا، لكنه دفعنى لأن أسأله لماذا حرص على الذهاب إلى افتتاح مقر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو أمر لافت ويستحق التحية والسؤال، فأجاب أنه تلقى دعوة ثم إنه وزير سياسى منفتح على كل التيارات والأحزاب. طيب ولماذا لم تذهب إلى حزب المصرى الديمقراطى أو «العدل» مثلا أو «المصريين الأحرار»؟ رد ضاحكا: لأن أحدا لم يقم بدعوتى، فقلت له: خلاص، أنا نازل أقول للدكتور أبو الغار يدعوك! فى تسعين فى المئة من لقاءاتى بالناس أسمع منهم هذا السؤال: هل أنت متفائل؟ فحرصت أن أسال وزير الداخلية نفس السؤال: هل أنت متفائل؟ وزير داخلية لم يكفّ عن الابتسام والضحك والذكريات والثقة فى ضباطه على مدى ساعتين كان طبيعيا جدا أن يجيب أنه متفائل. لدينا وزير داخلية متفائل، وهذه بداية طيبة جدا لأى بلد!