قبل محاكمة مبارك بيوم نشرت مقالا بعنوان "الشعب في القفص"، قلت فيه إنني غير سعيد بمحاكمة مبارك وإنني متشائم بها، لأنني أشعر أن نظام مبارك مازال يسيطر على قيادة الدولة وتوجه مؤسساتها الكبرى، وأن الشعب المصري هو الذي في قفص كبير من التضليل والخداع. طبعا لم يعجب مقالي معظم أصدقائي ولاحظت أن التعليق عليه جاء فاترا وضعيفا. قلت لنفسي: يبدو أن المصريين الآن بحاجة ماسة للفرح والتفاؤل، وهذا حق بل واجب طبيعي ينبغي ألا نهمله، لكن المشكلة أننا يجب أن نفرح حين نحقق ما يجوز لنا الفرح به، دون أن تكون مشاعرنا لعبة في يد السلطة وآلتها الإعلامية. قلت لنفسي أيضا: ربما أكون أنا المخطئ ويكون المتفائلون على حق، وتمنيت ذلك. المسألة ليست إنكارا لقيمة محاكمة مبارك من حيث المبدأ ولا جلدا للذات وتحقيرا لإنجازاتها، لا... المسألة ببساطة أننا يجب أن نفرح حين نحقق أمرا مهما هو: تغيير "النظام" يعني تغيير الطريقة التي تدار بها مصر باتجاه الإصلاح والديمقراطية، فأنا لن أفرح بإعدام مبارك (الذي يستحق الإعدام طبعا) إذا ظلت طريقة إدارة مصر كما هي؛ أريد أن أفرح يا صديقي، لكنني لا يمكنني ذلك بعد أن اعتدت الشرطة العسكرية وقوات الأمن بهذه الهمجية على مجموعة شباب ذهبوا للإفطار في التحرير، الشباب لم يعيقوا المرور ولم يخربوا شيئا في الميدان، هناك بشر غريبو الأطوار يقولون لي "لا لا دول هتفوا ضد المجلس"، أقول لهم "أمال إيه معنى الديمقراطية حضرتك؟؟؟؟ انك تهتف ضد أي سلطة طالما بشكل سلمي". ما هؤلاء الناس ياربي؟ لكن قيادة البلد أصرت ألا تخيب ظني السيئ بها، فجاءت حركة المحافظين لتثبت لي قانونا غاب عني طويلا: لا يمكن للإنسان أن يغير قيمه وفكره الذي تربى عليه بسبب ثورة أو غيرها، فبعد مظاهرة 8 يوليو وارتباك شرف والمجلس، واتخاذهم قرارات جوهرية لتهدئة الغاضبين تفاءلت خيرا وقلت لابد أن إصلاحا حقيقيا سيحدث، لكنهم عاجزون حقيقة عن أن يخرجوا عن دائرة الحزب الوطني؛ أعلم أنهم يريدون إرضاءنا لنسكت، لكن ماذا يفعلون؟؟ ذلك مبلغهم من العلم: أن يؤسس شباب الإسكندرية حركة قوية لتعيين الدكتور محمود رشدي محافظا للإسكندرية؛ الرجل الذي يمثل حالة ملهمة لشباب الإسكندرية، والذي تتلمذتُ على يديه وتعلمت منه الكثير حين بدأتُ المساهمة في العمل العام قبل الثورة، وبعد أن التقيته مؤخرا لأناقشه في رؤيته إذا اختير محافظا قال لي إن أول ما سيفعله هو التبرع براتبه للدولة، لأنه يريد خدمة الوطن لا أكثر. لم يقل ذلك للقنوات التلفزيونية ولا لأهل البروباجندا، بل قاله لي كتلميذ وأخ أصغر، ما رأيك في رجل يفكر بهذه الطريقة؟ هل تريد معرفة المزيد عنه؟ راجع هذا الرابط https://www.facebook.com/omar.hazek#!/groups/253667187978273/?id=259124527432539¬if_t=group_activity طيب كان يمكن للإسكندرانية أن يعزّوا أنفسهم بعدم اختياره إذا تم اختيار قامة إنسانية وثقافية واجتماعية أخرى، لكن الدكتور شرف أخذ يفكر ويفكر مع المجلس العسكري ويدرس ويدرس ثم "تمخّض الفيل عن فأرة" كما يقول المثل، فاختار الفولي محافظا للإسكندرية الرجل الفلول الذي تم تزوير انتخابات نادي أعضاء هيئة التدريس بتدخلات من أمن الدولة لصالحه، ثم حصل أعضاء هيئة التدريس على أحكام قضائية ضده بسبب تزوير الانتخابات إلا أنها لم تنفذ، كما عانى أساتذة الجامعة منه خلال توليه منصب عميد كلية الحقوق حينما كان تعيين العمداء يأتي باختيارات جهاز أمن الدولة، كما كان له سجل حافل باضطهاد الطلاب ومنع العمل الطلابي وتحويل الطلاب إلى التحقيق وحرمانهم من دخول الامتحانات. أما الأنكى والأضل سبيلا فهو السيد نائب محافظ الإسكندرية الذي يروج أنه لواء وهو عقيد لا أكثر، والذي كان يعمل بالمراسم والتشريفات، يعني كان يقف تماما مثل الرجل الواقف خلف عمر سليمان. المضحك فعلا أن هذين الاختيارين حدثا بعد استقالة عصام سالم الذي رفضه الإسكندرانية لنفس الأسباب السابقة، يبدو أن الدكتور شرف والمجلس اختاروا المحافظين وهم في عز الصيام، والحر. الآن أريدك صديقي القارئ أن تتأمل هذا الخبر المنشور في صحف اليوم، لأنني لن أعلق عليه بكلمة واحدة، أريدك أن تفكر في أي دولة في العالم يرد السارق سريقته فيُطلق سراحه: "من جهه أخرى قرر اليوم الأحد المستشار أحمد إدريس ، قاضى التحقيقات المنتدب من وزير العدل للتحقيق فى ملف فساد وزارة الزراعة والاستيلاء على أراضى الدولة ، صرف 15 عضو من مجلسى الشعب والشورى ، قاموا بالاستيلاء على 168 فدان من أراضى شباب الخريجين من مختلف محافظات مصر بعد تعهدهم برد تلك الأراضى وتنازل بعضهم عنها بالفعل. حضر اليوم من أعضاء مجلس الشعب كلا من ، فاروق فتحى دائرة سقلته تعهد برد 15 فدان ، سيد إبراهيم محمد قدم تنازل بالفعل عن 30 فدان ، فتحى عبد الفتاح محمد المقدم عن دائرة طهطا تعهد برد 50 فدان ، فتحى فضل عبد الواحد عن دائرة العدوة تنازل بالفعل عن 15 فدان ، كرم محمد حسن عن دائرة المنيا تعهد برد 15 فدان ، محمود عبد العزيز عبدالله بدائرة جهينه تعهد برد 25 فدان". متى نخرج من قفص الفساد يارب؟ تعقيب أخير: هل تشعر بالأسى أو الخجل أو الألم حين تسمع أصدقاءك أو أقاربك يتناقشون مناقشات مطولة للموازنة بين المطاعم والفيوهات وسهولة ركن العربية ومذاقات الأطعمة والمشويات والحلويات، بينما في الصومال مات -ويموت- عشرات الألوف من الأطفال جوعا (30 ألف طفل في الأيام الماضية فقط) أليس عجيبا أن نفكر أننا مسلمون أو حتى بشر إنسانيون، دون أن تقل شهيتنا للطعام وانهماكنا في إقامة الولائم. هل فكرت مثلا في أن تقول لأصدقائك إنك ممتنع تماما عن الإفطار في مطاعم فارهة أو حضور ولائم شهية ليس فقط تعاطفا وتضامنا مع أطفال الصومال، بل احتراما لكونك إنسانا أو مسلما يعلم أن أطفالا يموتون موتا حقيقيا من الجوع في الوقت الذي ترمي فيه أمريكا فائض قمحها في المحيط للمحافظة على توازن السوق العالمي، وفي الوقت الذي تستمتع فيه أنت بألذ الأطعمة في شهر يهدف أساسا لتربية النفس ومقاومة نوازعها وشهواتها ليحس كل إنسان بمن هو أفقر منه وأكثر جوعا وعطشا. لن أدعوك للتبرع لهم لأنه أمر لا يحتاج لدعوة، لكنني أدعو نفسي وأدعوك إلى أن نحاول التفكير مرة أخرى في إنسانيتا، وفي رؤيتنا للدين والأخلاق والإنسانية، وفي تصورنا لأنفسنا كبشر وكمسلمين. هذه المراجعة الصادقة للنفس تضيف لنا الكثير