هل كل من يتلق أموالا من الخارج يعتبر عميل وخائن لوطنه؟!! سؤال يحتاج إلى تفكير كبير قبل الرد عليه.. لأننا نحتاج بداية إلى تعريف لكلمات مثل: عميل، خائن، أجندة، وغيرها من المفردات التى كثرت تناولها فى الآونة الأخيرة.. فهل كل من يحضر ورشة عمل ترعاها منظمة أو مؤسسة أجنبية يكون عميلا؟ وهل كل من يتلق تدريبا خاصة فى مجالات حقوق الإنسان والصحافة والتدوين وغيره من المجالات المتعددة هم عملاء. والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية التى تتلقى تمويلا من الخارج بعلم وزارة التعاون الدولى ووزارة التضامن الاجتماعى –أحيانا يتم من غير علم- هل كلها جمعيات عميلة وخائنة للوطن.. طيب والحكومة المصرية التى تتلقى تمويلا لمشاريع استراتيجية ومختلفة هل تعتبر حكومة خائنة وعميلة.. الأمر صحيح محير، وعدم وجود تحديد واضح لهذه المفردات هو السبب فى هذه الحيرة.. إن أعضاء حركة 6 إبريل لم ينكروا تلقيهم تدريبا، ولم ينفوا أنهم قلدوا تجربة صربيا، فهل نعتبرهم بذلك خونة.. فإذا كانوا كذلك لماذا نلقى عليهم بالتهم فقط ولا يتم عمل إجراء قانونى باعتبار أنهم عملاء وجواسيس ويعملون ضد الوطن، لماذا تركناهم يعبثون بمستقبل الوطن.. ويشاركون فى صنع ثورة يتحدث عنها العالم. فى 2004 قام المركز الدولى للصحفيين بعمل عدة دورات تدريبية للصحفيين بمصر على كيفية التغطية الإخبارية للانتخابات، وتم اختيار القاهرةوالإسكندريةوالمنيا لإقامة هذه الدورات وكنت ضمن من شارك فى هذه الدورات، وفى أول دورة وبعد يومين فقط من بداية الدورة، فوجئنا بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية تصدر بيانا ترفض فيه هذه الدورة لأنها ذات تمويل أمريكى، وانقسم المشاركون إلى فريقين الأول يرى الالتزام ببيان النقابة الفرعية، وفريق ثان يرى عدم الالتزام لأنه لا يقم بأى عمل مناف للأخلاقيات بل على العكس يوجد صحفيين وخبراء عالميين يمكن أن ينقلوا خبراتهم ويعلمون المتدربين الكثير. ثم علمنا أن المركز الدولى للصحفيين يقيم هذه الدورات بموافقة من الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة التعاون الدولى، وأنها قامت بأخذ كل الموافقات المطلوبة وأن نقابة الصحفيين العامة لم ترفض إقامة هذه الدورات. ورغم أننا كنا 22 صحفى فى مجموعة الإسكندرية إلا أن 8 صحفيين فقط هم الذين أكملوا الدورة، وسافر منا أربعة –كنت واحدا منهم- إلى القاهرة ليلتقوا مع أربعة من القاهرة وأربعة آخرين من المنيا لتتجمع مجموعة مكونة من 12 صحفى يمثلون مصر فى ورشة عمل متخصصة أقيمت بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة من أجل إصدار جريدة من عدد واحد عن الانتخابات فى مصر، وكان الهدف من الجريدة التى تم إطلاق عليها اسم "صوتنا" –بالمناسبة كنت صاحب اقتراح الاسم- أن يتم تجميع مشاكل المواطنين التى قام جميع الصحفيين بتنفيذها خلال الورشة الأولى من خلال لقاءاتهم بالجماهير، ثم مواجهة هذه المشاكل بكل المرشحين للرئاسة وكانوا تسعة، ويتم نشر رؤى المرشحين لحل هذه المشاكل، وسألت وقتها: وماذا لو لم يجب مرشح من المرشحين، وكانت الإجابة أننا سنترك مساحة بيضاء أمام صورته تعبيرا عن عدم استجابته للرد وعدم اهتمامه بمشاكل الناس. كان معدا أن يتم طبع نصف مليون نسخة من هذه الجريدة على أن توزع مجانا، وبدأ فريق العمل فى تجميع المادة وصياغتها، وصياغة الأسئلة للمرشحين وإرسالها، وبدأنا فى تلقى الإجابات، إلا أننا لم نتلق إجابات من اثنين من المرشحين هما: نعمان جمعة مرشح حزب الوفد، ومحمد حسنى مبارك مرشح الوطنى والرئيس الحالى (وقتها). وقتها سقط فى يدى، خاصة أننى رشحت أن أكون محرر الجريدة أى بمثابة المشرف على التحرير، وتساءلت ماذا يمكن أن يحدث إذا تم نشر صورة مبارك وأمامه مساحة خالية فى الجريدة وماذا يمكن أن يحدث لنا كمحررين ومعظمنا يعمل فى صحف حكومية. فكرت طويلا، ووجدت أن زملائى يخشون ما أفكر فيه أيضا، ولكن البعض رأى أن منظمى الورشة لن يتنازلوا عن هذا الشكل الذى اتفقنا عليه جميعا فى البداية. طلبت الاجتماع بمفردى مع "ليزا تشالينجر" المشرفة العامة على البرنامج وقلت لها فى هدوء أننى سأنسحب من الورشة، انزعجت وسألت عن السبب، فقلت لها أننى أخشى على وظيفتى، ولن أوافق أن يتم وضع مساحة بيضاء أمام رئيس الجمهورية مما يعنى الإساءة له، وأن هذا رأيى بمفردى، ولن أحاول أن أؤثر على باقى زملائى فكل منهم من حقه اتخاذ قراره بنفسه، ولكنها بالطبع كانت تعلم أن انسحابى كان سيتلوه انسحاب جميع المشاركين ومن ثم فشل الورشة، فأكدت لى أنها مهتمة جدا أن أكمل الورشة وأنها حريصة على ذلك، ولا تريد لى أو لزملائى الضرر فى عملنا، ولكن ماذا سنفعل وقد وضعنا ردود 8 مرشحين للرئاسة بينما لم يرد جمعة ومبارك، ولا يمكن أن نتجاهلهما وهم أهم المرشحين خاصة مبارك، وطلبت منى أن أجد حلا لها وأنها على استعداد لتنفيذه فورا ففكرت لحظات ثم قلت لها أن الحل هو وضع برنامج كل من مبارك وجمعة والبرنامج يتضمن نقاط بها ردود على مشاكل المواطنين التى أثرناها فى الجريدة، وبالتالى نكون قد ملأنا المساحة البيضاء، وتفادينا الموقف المحرج لرئيس الجمهورية، فوافقت على الفور. وقامت ليزا بعد اتفاقنا بالاجتماع مع كل المشاركين بالورشة وروت لهم ما دار فى اجتماعنا وما تم الاتفاق عليه بكل تفصيل وشفافية، وأكدت أنها كمسئولة عن البرنامج جاءت لكى تفيد صحفيين بخبرات مختلفة لا أن تسبب لهم الضرر. وخرجت "صوتنا" وكانت تجربة رائعة لكل من شارك فيها واستفدنا كثيرا من خبرات المدربين الذين لم يبخلوا علينا بأى معلومة أو أسلوب فى إدارة الموضوعات الصحفية. أذكر هذا بعد مرور7 سنوات، وأتساءل هل كنت عميلا وقتها؟!