في مكتب المحاماة الجديد الذي افتتحه بمنطقة سموحة بالإسكندرية التقيته.. بدا شامخًا.. مقاتلاً.. عنيدًا.. مبتسمًا ابتسامة المنتصرين كعادته.. واضعًا علي مكتبه لافتة ربما كانت الوحيدة من نوعها التي تطعن في صميم استقلال القضاء في مصر.. لافتة كتب عليها المستشار محمود الخضيري «المحامي بالنقض» كيف تعيش حياتك بعد استقالتك من القضاء؟ - أشعر أني استرددت حريتي التي كنت مفتقدها طوال 46 عامًا قضيتها في القضاء بسبب التزامي بالتقاليد القضائية، الآن فقط أستطيع أن أتصرف بحرية وأن ألبي جميع الدعوات، وأن أسير في المظاهرات، وأن أقول ما أشاء بعد أن أصبحت أنعم بالحياة العادية التي ينعم بها باقي المواطنين. بعد عملك بالمحاماة. هل تواجه بعض التعنت من بعض القضاة الرافضين لمواقفك أثناء نظر القضايا التي تتولاها؟ - لا، هذا لم يحدث معي حتي الآن، وقد منح لي القانون مخرجاً إذا ما شعرت بتعنت القاضي، وأنا في جميع القضايا التي أتولاها أنظر إليها بنظرة القاضي ويجب أن أستشعر أن صاحب القضية على حق، ولا أقبل القضايا التي يكون الهدف منها هو مضايقة الخصم، وأنا بعد عملي بالمحاماة بدأت أشعر بالجهد الذي يقوم به المحامون وبدأت أتعرف على نوعيات من الناس لم أكن أعرفها من قبل. رأى البعض في قرار استقالتك من القضاء إساءة للقضاء، ورآها آخرون مجرد رغبة منك في عمل شو إعلامي؟ - من قالوا استقالتي شو إعلامي ربنا يسامحهم، لأني لا أعاني من انحسار إعلامي حتي أفعل هذا، أما قرار استقالتي فكان مجرد صرخة لإصلاح حال القضاء في مصر، تمنيت لو تتبعها صرخات أخري، وقولي إن القضاء في مصر ينقصه الكثير من الاستقلال ليس إساءة للقضاء، لكن رغبة في إصلاحه ومحاولة لوضع حد للتدخل السافر في شئون القضاء، ورغبة في إنهاء تبعية التفتيش القضائي للسلطة التنفيذية وإلغاء الانتداب لغير الوظائف القضائية، كيف رأيت الأزمة التي حدثت في الجمعية العمومية الأخيرة لنادي قضاة الإسكندرية، وانقسام القضاة بين من يري القضاء في مصر يتمتع باستقلال لا نظير له، ومن يشكك في استقلاله؟ - من يدعي أن القضاء في مصر مستقل تمامًا يعلم أن هذا كلام غير واقعي هذا ليس أسلوبًا للإصلاح، ومن يظن أن التدخل في عمل القضاء يتم بأن يقوم أحد المسئولين بالاتصال بقاضٍ ليصدر حكمًا معينًا فهذه طريقة ساذجة للتدخل، وإنما يحدث التدخل عندما تحال قضايا معينة لقضاة بعينهم، لعلمهم أنه سيصدر فيها أحكام معينة، وهذا قمة التدخل. ألا تري أن هناك تراجعًا في شعبية تيار استقلال القضاء بين جموع القضاة؟ - الخضيري: بلا شك هناك تراجع في شعبية التيار بسبب الضغوط الحكومية علي القضاة وتقديم إغراءات مادية لهم خلقت هناك أساسًا بين القضاة أن تيار الاستقلال يفتعل مشاكل مع الحكومة وسوف يمنع عنهم الخير الكثير، علي الرغم من أنه لولا وجود تيار استقلال القضاء لما حاولت الحكومة استرضاء القضاة، وأنا أري أن استقلال القضاء في مصر لن يتحقق إلا إذا أصبحنا دولة ديمقراطية. بعد إلغاء الإشراف القضائي علي الانتخابات كيف تري الانتخابات المقبلة «شعب / شوري / رئاسية»؟ - لا شك أن الانتخابات المقبلة من أصعب الانتخابات التي ستواجهها مصر؛ لأن الإشراف القضائي كان ضمانة لعدم تزويرها وقد أزيلت هذه الضمانة وحرمنا منها بعد أن فضح الإشراف القضائي الشعبية الحقيقية للحزب الوطني في الشارع والذي حصل في الانتخابات الماضية رغم كل التجاوزات علي ثلث عدد المقاعد فقط، وأتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة معركة كبيرة بسبب التدخل الذي ستقوم به الحكومة بتزوير النتائج لصالح مرشحيها حتي تستعيد إحكام قبضتها علي مجلس الشعب، وقد أنشأت حركة «مصريون من أجل انتخابات نزيهة» وطالبت فيها برقابة دولية علي الانتخابات بجانب الرقابة الشعبية وأن تنسق الجداول، وأن يكون التصويت إلكترونيًا وببطاقة الرقم القومي، وأري أنه إذا لم يحدث ضغط شعبي تستشعر فيه الحكومة بالخطر من تزوير الانتخابات فإنها سوف تستمر في التزوير بطريقة فاضحة ودون أدني اعتبار لإرادة الشعب. طرح اسم البرادعي لرئاسة الجمهورية، أيده البعض، ورآه آخرون غير واقعي واختلاقاً لسيناريوهات لا يمكن تطبيقها؟ - ترشيح البرادعي كل قيمته في كونه حجراً كبيرًا ألقي في المياه الراكدة كنا نحتاج إليه، وهو يعلم قبل غيره أن هناك عقبة كبيرة في سبيل ترشيحه؛ لأنه رفض الانضمام لأي حزب لهشاشة الأحزاب الموجودة. ما رأيك في الانتخابات الأخيرة التي جرت داخل جماعة الإخوان المسلمين وأتت بمحمد بديع مرشدًا جديدًا للجماعة؟ - هذا الموضوع أخذ حجماً كبيراً جدًا، وأنا سُئلت فيه أسئلة قانونية وكنت معترضًا علي فكرة أن تجري الانتخابات بالتمرير، لكن الجماعة قالت: إن تجمعها في مكان واحد أمر صعب للغاية لدواعٍ أمنية ولهذا تجري الانتخابات بالتمرير في أماكن مختلفة، عمومًا الإخوان قوة كبيرة في مصر، وأنا أتمني لهم التجمع وعدم التفريق؛ لأنهم القوة الوحيدة المعارضة في مصر وبدونهم لن تكون هناك معارضة. بعد استقالتك من القضاء واستقلالك عن التقاليد القضائية هل يمكن أن تنضم لجماعة الإخوان المسلمين؟ - مازلت أعلنها أني لن أنضم لجماعة الإخوان المسلمين، ولن أنضم لأي حزب أو لأي فصيل سياسي أو أي تيار، لأني خرجت من قيود القضاء لكي أتحرر من كل القيود وأستطيع أن أعارض من أشاء وأؤيد من أشاء دون قيود التزامي بمبادئ حزب أو فصيل قد لا أكون مقتنعًا بها، وأنا أحترم جماعة الإخوان المسلمين، لكني لن أنضم لها وهم لم يسعوا إلي ذلك وأنا أوجه الانتقاد لبعض تصرفاتهم وبعض أفكارهم مثل أي مواطن آخر، و«بعدين» الاستقلال شيء رائع ليه أتخلى عنه؟