عبد الرحمن يوسف يكتب: عَلَي بُعْدِ خُلْدٍ ونِصْفْ...

(في الذكري الأربعين لاغتيال المناضل «تشي جيفارا»)
علي بُعْدِ صُبْحٍ ونِصْفٍ مِنَ اللَّيلِ كَانَ يَقُودُ الحَيَاري...
يَسيرُ بخَطٍّ شَديدِ الوُضُوحِ كَقَوسِ الكَمَانْ... !
فيَسْري ( كَصَوْتِ الكَمَانِ ) تَخَطَّي الجِدَارَ...
يُصَوِّرُ للثَّائِرينَ - كَمَا يَفْعَلُ الأنْبِيَاءُ - الجِنَانْ...
فَيَظْهَرُ كالبَدْرِ للثَّائِرينَ بحينٍ
وحينًا يَغِيبُ كَبَدْرٍ وَرَاءَ الغُيُومِ تَوَاري...
وتَبْسِمُ في الوَجْهِ غَمَّازَتَانْ...
فَيَنْطَلِقُ الخَوْفُ نَحْوَ الأمَانْ...
علي بُعْدِ قَبْرٍ ونِصْفٍ مِنَ المَوْتِ كَانَ يَعِيشُ « جِفَارا »... !
يُوَقِّعُ للثَّائِرينَ الذينَ أحَبُّوهُ وَصْلَ أمَانَةْ...
وبَعْضُ ( الرِّفَاقِ ) يُوَقِّعُ للقَصْرِ وَصْلَ الخِيَانَةْ... !
« جِفَارا »... نَحِيفٌ ولا يَشْتَكِي
ويُوَاجِهُ مَنْ يَشْتَكُونَ البَدَانَةْ... !
تَألَّمَ مِنْ كُلِّ صَفْعَةِ ظُلْمٍ عَلَي وَجْهِ مُسْتَضْعَفٍ
فَتَعَدَّي حُدُودَ المَكَانِ وحَازَ المَكَانَةْ...
وبَعْضُ الرِّجَالِ بمَحْكَمَةِ الدَّهْرِ يَبْدو دَليلَ الإدَانَةْ...
وبَعْضُ الرِّجَالِ لجِنْسِ الرِّجَالِ إهَانَةْ...
علي بُعْدِ صَبْرٍ ونِصْفٍ مِنَ اليَأسِ كَانَ يُقِيمُ « جِفَارا »... !
تَوَاضَعَ بَيْنَ الجُنُودِ المُحِبِّينَ في المَلحَمَةْ...
تَكَبَّرَ فَوْقَ النَّياشينِ والأوْسِمَةْ...
تَقَدَّمَ مِثْلَ الشِّهَابِ يُضِيءُ لبِضْعِ ثَوانٍ ليَخْتَرقَ المَوْتَ
ليْسَ يُبَالي
فَكُلُّ الحَيَاةِ لَدَيْهِ تَهُونُ
ليَرْفَعَ مِنْ فَوْقِ مَنْ قَدْ أضَاءوا بِهِ مَظلَمَةْ...
تَحَوَّلَ فِعْلاً مِنَ العَدْلِ
في زَمَنٍ سَجَنَ العَدْلَ في مَكْلَمَةْ...
لذلكَ كَانَ حَريًّا بِسَيْفِ التَّخَابُرِ أنْ يُعْدِمَهْ...
بِلا مَحْكَمَةْ... !
علي بُعْدِ غَدْرٍ ونِصْفٍ مِنَ المَجْدِ كَانَ طَريقُ « جِفَارا »... !
علي بُعْدِ ربْوٍ ونِصْفٍ مِنَ النَّزْفِ
كَانَ شَهِيقُ « جِفَارا »... !
علي بُعْدِ عِطْرٍ ونِصْفٍ مِنَ المُنْتِنِينَ بكُلِّ القُصُورِ
يَفُوحُ « جِفَارا »... !
يَسِيرُ عَلَي بُعْدِ قَصْفٍ ونِصْفٍ مِنَ السِّلْمِ
مِثْلَ الأنَامِلِ فَوْقَ البيانُو تُجِيدُ اخْتِيَارا...
يَطِيرُ عَلَي بُعْدِ نَسْرٍ ونِصْفٍٍ مِنَ الأرْضِ
لا يَسْتَجيبُ لأيِّ قَوَانِينِ جَذبٍ إلي الوَحْلِ
لا يَسْتَجيبُ إلي ( واقِعِيَّةِ ) مَنْ واقَعُوا قَوْمَهُمْ
( واقِعِيَّةِ ) مَنْ وَقَّعُوا خِزْيَهُمْ في القُصُورِ جِهَارا...
يَلُوحُ عَلَي بُعْدِ نَجْمٍ ونِصْفٍ مِنَ المُمْكِنَاتِ
يُمَهِّدُ للثَّائِرينَ المَدَارَا...
يَصِيحُ عَلَي بُعْدِ صَوْتٍ ونِصْفٍ مِنَ الصَّمْتِ
كَيْ يَتَحَوَّلَ كُلُّ القُنُوطِ اصْطِبَارا...
يُضِيءُ عَلَي بُعْدِ بَرْقٍ ونِصْفٍ مِنَ الرَّعْدِ
كَيْ يَسْتَحِيلَ الظَّلامُ - ولَو لَحْظَةً - في الليالي نَهَارا...
علي بُعْدِ خُلْدٍ ونِصْفٍ مِنَ المَوْتِ...
سَوْفَ يَظَلُّ يَعِيشُ « جِفَارَا »... !