(1) إذا كان لابد ولا مفر من الاحتفاظ بالأستاذ حسني مبارك وأسرته رغم كل الجرائم والفظائع التي ارتكبوها بحق الشعب المصري، فلماذا لا نستخدمهم في الترويج السياحي؟ وما المانع من إصدار مرسوم تشريعي عاجل يمنح مقر إقامتهم الفخم في شرم الشيخ وضع «المحمية الطبيعية» للفساد والديكتاتورية؟ وبما يسمح بالتعامل مع هذا المقر كمزار سياحي يرتاده السواح المتشوقون لرؤية هذا النوع من الكائنات المتوحشة التي انقرضت من أغلب بقاع واصقاع الدنيا، بينما تركناها نحن تحكمنا وتمص دماء أهلنا ثلاثة عقود متصلة، فلما خلعناها أخيراً من لحم الوطن بالدم، أبقينا عليها معززة مكرمة وأسرفنا في تدليعها لدرجة أننا ننفق على بند حراستها نحو نصف مليون جنيه في اليوم الواحد.. بالمناسبة، عدد أيام السنة غير الكبيسة 365 في نصف مليون، يساوي 182.5 مليون جنيه في العام.. وكل عام وأنتم بخير (2) ..ولو قارنت حضرتك بين «الدلع» المفرط الذي يتمتع به حالياً الأستاذ مبارك وأسرته وأغلب أركان عصابته وبين القسوة والوحشية في التعامل مع احتجاجات سلمية متحضرة يقوم بها فتيان وفتيات أبرياء وأطهار من أجل مطالب مشروعة وأهداف نبيلة (راجع حادث الاعتداء الهمجي على طلاب وأساتذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة) فستخرج حتماً من هذه المقارنة، إما بعاهة عقلية مستديمة، أو بفردة جزمة واحدة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. (3) إقدام الجماعات والحركات والعصابات التي تنسب نفسها للإسلام بمن فيهم «سلفيين» مباحث أمن الدولة على استدعاء شعارات الدين قبل وأثناء استفتاء تعديل الدستور الميت، ثم اللعب بهذه الشعارات على غرائز وعواطف قطاعات من المواطنين الغلابة، واستباحة خطف الدين الحنيف وإنزاله من عليائه وإقحامه في ملاعيب السياسة لإضفاء حصانة وقدسية كاذبة على موقف (انتهازي) معين.. كل هذه الارتكابات قد تكون معصية كبيرة مؤجل الحساب عليها ليوم الحساب، لكنها أيضاً جريمة دنيوية نكراء لأنها استغلال رخيص ومشين لبؤس الناس وغلبهم بما يجعلهم ضحية ومجنيا عليهم مرتين.. مرة عندما فرض عليهم البؤس والعدم، ومرة أخرى لما جري استغلال غلبهم وبساطتهم لتسهيل اقتيادهم والسير بهم عكس تيار الثورة العظيمة التي تفجرت لأجلهم وانتصرت بدماء ابنائهم. ومن عجب أن هذه الجريمة نفسها ظلت عصابة مبارك ترتكبها بانتظام ممل في الماضي، والآن لا تخجل بعض الجماعات والعصابات الطامعة في أكل كعكة الثورة و«نشل» نتائجها من تكرار الفعلة النكراء عينها!! (4) في كل عمري الذي استهلك مبارك وعصابته ثلاثة أرباع سنواته على الأقل، لم أجرب الخروج عن صف «المعارضة» والوقوف ولا دقيقة واحدة في زمرة الموالين، لكني حاولت مع حكومة الدكتور عصام شرف أن أتذوق طعم أن أكون مؤيدًا لحكومة ولو كانت من نوع «تسيير الأعمال». ولأنني مستجد تماماً في التأييد والموالاة فقد شعرت بالغربة وكابدت ارتباكاً وتلعثماً واضطراباً تعبيرياً ملحوظاً أجبرني على الصمت، فلم أقل أو أكتب شيئاً فيه أي مدح للحكومة الوحيدة التي أتينا نحن برئيسها وبعض أعضائها لأول مرة في حياتنا.. غير أن الدكتور شرف، وباقي الدكاترة زملاء سيادته يبدو أن قلبهم رق لحالي فقرروا مشكورين إعفائي أنا وأمثالي من الاستمرار في خوض تجربة «الموالاة» الصعبة، آية ذلك أن حكومتنا العتيدة راحت تعمل بهمة ونشاط زائدين لكي تعيدنا بالسلامة إلى منطقة «المعارضة»، حيث تعودنا وتربينا وترعرعنا.. كتر ألف خيركم يا دكاترة، ومتشكرين جدا قوي خالص!! (5) أعرف مشاغل الدكتور يحيي الجمل وألاحظ زحام ارتباطاته اليومية بالبرامج والحوارات التليفزيونية (بنوعيها الفضائي والأرضي) ولهذا ألتمس لسيادته كل العذر إذا كان نسي، وهو يسبح في هذا الخضم التليفزيوني الهائل، أنه يحمل لقب ومسئولية «نائب رئيس الوزراء لشئون الحوار الوطني»، فضلاً عن ملف الصحافة القومية التي مازالت رهينة في ايادي أرامل ومخلفات الأستاذ مبارك ونظامه المدحور. ولا مشكلة كبيرة في أن الدكتور يحيي نسي مهمته ومسئوليته الأصلية وتفرغ للتليفزيون وباقي الأجهزة الكهربائية المنزلية، وإنما المشكلة فعلاً أن كثيرين باتوا يظنون الآن أنه لا فرق بين الذهاب لحوار وطني فعال ومنظم وبين الذهاب لمدينة الإنتاج الإعلامي لإجراء «حوار تليفزيوني».. وصباح الخير يا مصر.