كنت أعبر بالسيارة ميدان المفارق بالمقطم في طريقي لمدينة نصر عندما ظهر شرطي رافعاً يديه أمام السيارة ثم طلب مني الوقوف إلي جانب الطريق. توقفت فتقدم وعلي وجهه ابتسامة عريضة وطلب إبراز الرخصتين. سألته عن السبب فقال: بسبب التحدث في المحمول أثناء القيادة!. نظرت نحوه في ذهول وقلت: أنظر إلي أذني اليسري يا بني.. هل تعرف ما هي قطعة البلاستيك الملتفة حولها.. ثم أضفت موضحاً: إنها سماعة حتي أستطيع الحديث في الموبايل دون أن ألمسه فكيف تدعي زوراً وبهتاناً أنني تحدثت في التليفون؟. رد الفتي في تلعثم:بل هو الحزام.. نعم الحزام لم يكن مربوطاً. قلت له في غيظ: هل تبحث يا بني آدم عن أي شيء لإدانتي.. ما حكايتك بالضبط؟. قال: علي أي الأحوال أريد الرخص لأعطيها للضابط الذي طلبها. سألته: وأين هو هذا الضابط؟ فأشار إلي سيارة ملاكي تقف علي مسافة. أخرجت له الرخصتين وقلت له: اعطهما إلي ضابطك وسأنتظر لأري ماذا هو فاعل. لكن لدهشتي لم يذهب للضابط وإنما اقترب من الباب إلي يميني وحاول فتحه. أنزلت الزجاج وسألته عما يفعل فقال: افتح يا باشا لنتحدث!. بعد أن جلس إلي جانبي قال: شوف يا باشا.. مخالفة الحزام فيها سحب رخص وبهدلة وستذهب لتسترد الرخصة فلا تجدها وتتعطل يوم واثنين وتبحث عن واسطة هنا وهناك.. يعني من الآخر ستضيع وقتاً كبيراً وتنفق فلوساً كثيرة حتي تسترد رخصتك. هنا فهمت أن الأخ قد أقام لجنة مرور خاصة تعمل لحسابه، وأنه لا يوجد لا ضابط ولا دياولو، فقلت له: ألا تدري يا بني أن عهد سحب الرخص قد انتهي وأن حكومة الجباية قد اكتشفت أن تطبيق غرامات فورية هو أفضل لجميع الأطراف؟. قال وابتسامته تتسع: معك حق يا باشا ومع هذا فلو أعطيت الرخص للضابط سيطبق عليك الغرامة ومقدارها خمسون جنيهًا، وبصراحة أنت لست أغني من الحكومة وأنا أري أن نقسم البلد نصين ويا دار ما دخلك شر!. قلت له: يعني إيه؟. قال: بالعربي أنا لم أستفتح منذ الصباح يا باشا وأثق أن استفتاحي سيكون علي يد معاليك!. للحظات شعرت بالدهشة لهذا الشرطي العجيب الذي لم يستفتح وكأنه بائع يوستفندي خرج منذ الصباح ولم يأته زبون بعد! لكن سرعان ما زالت الدهشة بعد أن تذكرت أن البلد قد تهلهل وأصبح وطناً للعار. قلت له: اسمع يا بني.. اذهب ونادي للضابط بتاعك وأنا سأدفع له الغرامة وأحصل منه علي إيصال. قلت هذا وسحبت الرخصتين منه. أسقط في يد الفتي ولم يعرف ماذا يفعل فترجل من السيارة وقال ضاحكاً: خلاص يا باشا بلاش المرة دي، لكن يبقي لي عندك واجب!. قلت له: هارد لك يا حبيبي ولعل زبوناً آخر يقع في يدك فيعوضك عني ويكون استفتاحك علي يديه.. دوبل!.