«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل:أسوأ ما في مصر حاول قتل أنبل ما فيها..والنظام سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام
نشر في الدستور الأصلي يوم 06 - 02 - 2011

قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في حديث خاص للجزيرة نت إن ثورة الشباب أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، لكن أسوأ ما في مصر يحاول الآن بشراسة أن يقتل أنبل ما فيها، مضيفا أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم في استفتاء لم يزور، الأمر الذي طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم أننا شهدنا محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاما.
وهو يتحدث، كان الأستاذ يتابع من شرفة بيته الأفواج التي كانت تعبر جسر الجلاء متجهة إلى ميدان التحرير للانضمام إلى الحشد الكبير الذي اعتصم به معلنا نهاية عصر وبداية عصر آخر، ولدت فيه مصر من جديد. وقد لخص تعليقه على المشهد بقوله: أخيرا قدر لمصر أن تستعيد روحها الوثابة، وأن تثبت لنفسها وللعالم أنها ما زالت تحتفظ بكبريائها، وأنها قادرة على الثورة. وإذا لم يكن لثورة شبابها الراهنة من فضل سوى إشهار تلك الرسالة على الملأ، لكان ذلك كافيا. وأضاف في هذا الصدد أن التاريخ له إملاءاته، وأن إطلاق تلك الرسالة من ميدان التحرير له رمزية عميقة الدلالة.
كيف رأيت الجموع المحتشدة في الميدان؟
هم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها، وهم أنبل وأجمل ما أنجبته البلد. وسيظلون في الحقيقة وفي التاريخ رمزا لكبرياء ذلك الشعب وحلمه. وقد التف حولهم الشعب واحتفى بهم بعدما أدركت جماهيره بعبقرية حسها الحضاري والتاريخي أن هؤلاء الشبان هم أبناؤها الحقيقيون والبررة. لذلك فإنهم حين دعوا المصريين إلى التعبير عن غضبهم واحتجاجهم في يوم الثلاثاء العظيم، فإن ما بين خمسة وسبعة ملايين مواطن من كل أنحاء مصر استجابوا لهم، وقالوا كلمتهم بصوت هادر وقاطع في استفتاء نادر لا مثيل له، به كتبت شهادة ميلاد مصر من جديد.
وهى الرسالة التي لم تجلجل في فضاء مصر والعالم العربي فحسب، ولكن أصداءها ترددت بقوة في أرجاء الكون بأسره، حتى تسلمها ووعاها كل معني بشأن مصر. ومنذ ذلك اليوم بقي الشباب في الميدان رمزا للفكرة وشعلة وضاءة في طول البلاد وعرضها.
ما رأيك فيما جرى لأولئك الشباب بعد ذلك؟
لنتفق أولا على أن الثورة التي أطلقها أولئك الشبان الشجعان كانت زلزالا هز أركان النظام القائم في مصر منذ ثلاثين عاما. وللأسف فإن الرد كان صادما ومعيبا. فقد حاولوا إطفاء الشعلة بالدم، ووجدنا أن أسوأ ما في مصر سعى إلى محاولة قتل أنبل ما فيها. وهو ما شاهدناه يومي الأربعاء والخميس وكان اقتحام الخيول والجمال والحمير لميدان التحرير رمزا له.
من تظن وراء هذه المحاولة الأخيرة؟
الذين فعلوها صورة طبق الأصل من الأداة التي استخدموها. حيث لا أتردد في القول إنهم أناس لا يختلفون كثيرا عن الدواب التي استجلبوها وأطلقوها.
هناك تخمينات تحدثت عن شخصيات بذاتها في الحزب الوطني ورجال الأعمال لهم دورهم فيما جرى؟
هذا صحيح، والأسماء متداولة ومعروفة، الذي لا خلاف حوله أن العملية كان لا بد لها من تمويل، وكان هناك أشخاص جاهزون من أركان التحالف المشهود بين السلطة والمال والأمن. وهؤلاء الأشخاص لا يملكون إلا ما يستطيعون به استئجار الحناجر أو شراء الأسلحة وتجنيد البلطجية وأفراد العصابات.
إذا فهمنا منْ وراء مشهد الخيول والجمال التي أطلقت في الميدان، فهل هناك تفسير للغياب التام للشرطة عن ضبط الأمن في البلاد، الأمر الذي فتح الباب لعمليات الترويع والنهب والفوضى التي حدثت؟
هذا جانب من الصورة يستدعى ملاحظات. الأولى أن مصادر الداخلية تقول إن الذين قاموا بالترويع والنهب وأثاروا الفوضى ينتمون إلى تشكيل سري لا علاقة لهم به. الثانية أن تعامل الأمن المركزي مع المتظاهرين في البداية اتسم بقسوة مفرطة، حتى بدا وكأنه يمثل ذراعا لقوة غاشمة في بلد احتلته، فيما يشكل جريمة حرب في أي بلد يحترم القانون الإنساني.
الثالثة أن قرار سحب الشرطة لاحقا يكتنفه الغموض في الوقت الراهن. ويبدو أنه سيظل سؤالا معلقا على التاريخ والضمير المصريين سيجيب عنه مستقبل الأيام.
الرابعة أن ما حدث ليس مفاجئا تماما، لأنه تفكير مستلهم من خطط التأمين التي تتضمنها أدبيات الثورة المضادة المتداولة في العالم الغربي، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وللمخابرات المركزية تحديدا إسهاماتها في هذا المجال، التي انبنت على ما عرف بخطة أجاكسي وأسهم في وضعها خبراء بعض شركات النفط العالمية مثل شل وموبيل أويل وغيرها.
ومن يدقق في وقائع التعامل مع ثورة الشباب في مصر يلاحظ أن ثمة قواسم مشتركة بينها وبين ما جرى من قبل في إيران ضد ثورة مصدق وفي تشيلي أيام بينوشيه، حيث برز في هاتين التجربتين دور بارز للجماعات التي تعمد إلى ترويع الناس وإشاعة الخوف بينهم، لإقناعهم بأن الثورة تهدد استقرارهم وستجعل حياتهم جحيما.
هناك من يحاول تصوير الاشتباك الحاصل باعتباره تراشقا بين متظاهرين يعارضون نظام الرئيس مبارك وآخرين يؤيدونه.
هذا تزوير للواقع، فالمتظاهرون الحقيقيون هم المحتجون الذين اعتصموا في الميدان وقرروا الدفاع عن كرامة هذا البلد وحلمه بأسلوب سلمي مشرف. أما الآخرون فهم مستأجرون بلا قضية، سواء كانوا عناصر تابعة للأجهزة الأمنية أم مرتزقة تم شراؤهم أم موظفين وعمالا في بعض المصانع والقطاعات الحكومية، الذين حملتهم سيارات الجهات التابعين لها إلى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين لافتعال تجمع يؤيد النظام القائم. وقد ذهبت محاولات الانفعال إلى حد دعا الذين أخرجوا المشهد إلى الاستعانة بالفريق القومي لكرة القدم ومدربه.
كيف تقيم ما حققته ثورة الشباب حتى الآن؟
إضافة إلى ما سبق أن ذكرته من أنهم أعادوا الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة، وأنهم أثبتوا للعالم أن شعب مصر قادر على الانتفاضة والثورة، فإنهم نجحوا في أن يعلنوا على الملأ ما لا يريده الشعب المصري، وتركوا للعقلاء والنخبة أن يحددوا ما يريده الشعب. ذلك أن الجماهير الغاضبة بمقدورها أن تتحدى الطغيان وتسقط الطغاة، لكنها لا تطالب بأن تضع برنامجا يجيب عن أسئلة المستقبل، بما يفصل في الإجابة عن السؤال: ما العمل؟
هل تعتقد أن العقلاء قاموا بهذا الدور؟
للأسف فإنهم لم يستطيعوا أن يجيبوا عن السؤال، لأن أغلبهم عجز عن قراءة الواقع والتفاعل معه بما يستحقه. إضافة إلى أن المعارضة المعترف بشرعيتها في مصر أصبحت عنوانا فضفاضا تندرج تحته فئات بعضها لا وزن له ولا حضور، وبعضها لا يملك من مقومات الحضور سوى مقر وجريدة، والبعض الثالث يمثل أجنحة للحزب الوطني.
ممثلو النظام في مصر دعوا إلى الحوار مع المعارضين والقوى السياسية الأخرى.
هذا الحوار لا بد منه ولكن له توقيته وأركانه وشروطه. إذ إضافة إلى التثبت من الظرف السياسي الملائم لإجرائه، فمن المهم للغاية شرعية الأطراف المشاركة فيه وأوزانها الحقيقية في المجتمع. كما أن أي حوار يجب أن يكون له جدول أعمال متفق عليه. وبغير الاتفاق على جدول الأعمال فإن ما يسمى حوارا سيتحول إلى محاولة إملاء شروط طرف على آخر. وهذا هو الحاصل الآن. فشرعية تمثيل المعارضة الحقيقية مشكوك فيها، كما أنه لا يوجد جدول أعمال متفق عليه للمستقبل. وما هو متوافر الآن لا يتجاوز مجرد وعود لامتصاص الغضب لوح بها ممثلو السلطة ولم يكن للمعارضة الحقيقية أي إسهام في صياغتها أو ترتيب أولوياتها.
الرئيس مبارك تحدث في خطبته الأخيرة عن تصور للفترة المقبلة وخطوات الإصلاح المرتقبة في المستقبل.
ما عبر عنه الرئيس في ذلك الخطاب لم يكن مترابطا ولا يوفر فرصة كافية للتفاؤل أو الثقة. ذلك أنه أعلن أنه الآن في ولايته الأخيرة. وتحدث عن ترتيبات للمستقبل منوطة بمجلس تشريعي تشكل بالتزوير ومطعون في شرعيته بما يجعله غير مؤتمن لا على الحاضر أو المستقبل، وكان لافتا للنظر في هذا الصدد أن الرئيس في ولايته الأخيرة أصدر تكليفات للمجلس المشكوك في شرعيته تتعلق بترتيبات المستقبل الذي يفترض أن لا يكون طرفا فيه. وهو أمر غير مفهوم.
أما ما كان مثيرا حقا فهو أنه بعد ساعات قليلة من إلقاء الرئيس خطابه بدأت محاولة الهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير والتي كانت في جوهرها محاولة قتل الرمز الذي قاد الثورة وفجر مشاعر الغضب الجماهيري. وهو ما نسف الثقة في جدوى الحوار ومقاصده. كأن الرئيس أراد أن يغطي المرحلة الزمنية التي تسبق تركه منصبه بجريمة ترتكب بحق أنبل أبناء شعبه.
تحدثت وسائل الإعلام عن أن حوارا بدأ بالفعل بين السلطة وممثلي المعارضة.
عندي ثلاث ملاحظات على ما أذيع في هذا الصدد. الأولى تتعلق بشرعية من قدموا باعتبارهم معارضين، والسؤال هنا منصب على أوزانهم الحقيقية في الواقع المصري. الثانية أنه لا يمكن أن يدور حوار حول الوضع الراهن في غيبة ممثلين للشباب الذين أطلقوا الثورة. الثالثة والأهم أن ذلك الحوار المفترض يجري دون اتفاق على جدول أعمال يحدد مواضع الخلل ومقاصد الحوار.
كيف يمكن تقدير النتائج المترتبة على ذلك الحوار؟
المشكلة الأساسية في ذلك أننا صرنا أمام وضع لا يمكن إصلاحه وأن الخلل فيه أصبح جزءا من بنيته الأساسية. ثم إن هناك تجاهلا لحقيقة لم يعد يختلف عليها العالم أجمع، وهي أن النظام الحالي طويت صفحته، وأن الكلام في أهم عواصم العالم ينصب على مفردات الصفحة الجديدة في مصر، ويدل على ذلك الترتيبات الأميركية الأخيرة التي أعلن عنها مساء يوم الخميس، وتحدثت عن استقالة الرئيس مبارك، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة نائبه السيد عمر سليمان.
وللأسف فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال رافضين إدراك أو رؤية ما يدور حولنا. فنحن هنا نحاول ترميم وتجميل وضع يتحدث العالم الآن عن أنه قد سقط سياسيا وعمليا. وعناوين الصحف العالمية وافتتاحياتها تقول ذلك صراحة ودون مواربة. وإعلامنا الرسمي وحده لا يزال يعيش فيما اعتبرته الدوائر السياسية والإعلامية العالمية قد صار ماضيا يجري الآن الاستعداد بشكل حثيث وجاد للانتقال إلى غيره.
إلى أي مدى يمكن الحديث عن دور أميركي في تشكيل الوضع الراهن؟
الأميركيون حاضرون في المشهد منذ بدايته وبصورة أبعد كثيرا مما هو مألوف في العالم العربي على الأقل. فالإدارة الأميركية لديها مجموعة عمل تتابع الموقف أولا بأول، والتصريحات الأميركية اليومية تتناول الموضوع بدرجة أو أخرى. وهو ما لمسناه في الاتصالات التي أجراها الرئيس أوباما وفي تصريحاته الأخيرة التي شدد فيها على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة الآن وليس بعد انتهاء ولاية الرئيس في شهر سبتمبر.
وهو ما عبرت عنه أيضا تصريحات وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين. ولرئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس جون كيري كلام شديد في دعوة الرئيس مبارك إلى التنحي.
وقد نقلت وكالات الأنباء مساء يوم الخميس الماضي خبرا ذكرت فيه أن مشروعا قدم إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى مطالبة الرئيس مبارك بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية موسعة، كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن اتصالات أميركية لهذا الغرض جارية مع نائب الرئيس المصري ووزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة.
كانت الصحيفة قد نشرت في عددها الأول من شهر فبراير الحالي تفاصيل مهمة عن رحلة المبعوث الأميركي فرانك ويزنر إلى القاهرة. وتحدثت في تقريرها عن اجتماع للرئيس أوباما في مجلس الأمن القومي لمدة ساعتين لبحث تطورات الموقف في مصر، بعد إعلان الشعب عن رفضه لسياساته ونظامه، وأشارت إلى أن الاجتماع بحث تقريرا أعده اثنان من الخبراء حول آخر التطورات.
وتم الاتفاق على أن يتوجه السفير فرانك ويزنر إلى القاهرة حاملا معه رسالة تدعو الرئيس مبارك إلى أمرين، الأول إعلانه على الملأ أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة في نهاية العام الحالي، والمطلب الثاني هو أن يعد بأن لا يترشح ابنه جمال إلى الرئاسة القادمة. وهو ما رفضه وامتنع الرئيس مبارك عن الاستجابة له.
هل الاهتمام الأميركي الشديد بالوضع في مصر نابع من الحرص على استمرار علاقات البلدين أم أنه يضع في الاعتبار الحرص على العلاقات الأميركية المصرية أم أوثق صلة باستمرار وتأمين العلاقات المصرية الإسرائيلية؟
واشنطن مدفوعة بالأمرين معا. فمصر تحتل موقعا متميزا في الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، كما أنها مهتمة باستقرار العلاقات المصرية الإسرائيلية. يضاف إلى ذلك أن الرئيس أوباما يحتاج إلى أصوات اليهود الأميركيين في محاولته تجديد ولايته. ومن ثم فمفهوم أن يولي اهتماما خاصا بما يعتبره أمن إسرائيل ومصالحها.
بماذا نفسر الاهتمام الإسرائيلي الخاص بالوضع في مصر؟
إذا تذكرنا وصف إسرائيل للرئيس مبارك بأنه "كنز إستراتيجي لها" فإن ذلك يفسر لنا بدقة قلقهم في تل أبيب إزاء احتمال تغيير النظام القائم في مصر. ثم إننا في مثل هذه المواقف ينبغي أن نستعيد علامات الاستفهام الكثيرة التي تثار حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، خصوصا تلك التي تتعلق بالتعهدات والضمانات غير المعروفة التي قدمها الرئيس السادات لإسرائيل ليس فقط لضمان أمنها، ولكن أيضا للتأكيد على أنه لن تكون هناك حروب أخرى مستقبلا ضدها.
انتهت أسئلتي، فاستوقفني الأستاذ هيكل وقال اكتب على لساني هذه النقاط التي ينبغي أن يعيها جميع المصريين في اللحظة الراهنة:
أولا: أن النظام الجريح سيظل شاغله الأوحد هو الانتقام. وإذا كان قد أبدى استعدادا لقتل 300 مواطن على الأقل وتشويه وجرح خمسة آلاف آخرين لكي يبقى ستة أشهر، فإن أحدا لا يستطيع أن يتصور الثمن الذي يتعين على المصريين دفعه لقاء استمراره.
ثانيا: إن أحدا لا ينبغي أن يبخس شباب مصر الشرفاء والشجعان حقهم في صناعة حاضرها ومستقبلها، كما أن أحدا لا ينبغي أن ينسى أن شهادة الميلاد الجديدة لمصر كتبت بدماء الثلاثمائة شهيد الذين أراد النظام قتلهم، فحولهم إلى نجوم مضيئة وباهرة في سماء مصر.
ثالثا: إن الأمة مدينة لأولئك الشبان الذين أعتبرهم أجمل وأنبل من أنجبتهم مصر، لأنهم بثورتهم ردوا إليّ أملا غاب وراء السحب الداكنة التي تكاثرت في سماء مصر. وشاءت المقادير أن أعيش لحظة انقشاع تلك السحب وبزوغ شمس ذلك الأمل الذي ملأ أرض مصر كلها بضياء ودفء افتقدته طوال العقود الأربعة الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.