منذ أسابيع معدودة أصدر تنظيم القاعدة ( بالعراق ) إنذارا وتهديدا ، موجها إلى الكنائس القبطية ، وإلى المسيحيين في مصر ، فكيف تعاملت أجهزة الأمن مع هذا التهديد الخطير ؟! ولننظر إلى تفاصيل ما حدث في مدينة الإسكندرية ليلة عيد الميلاد ، إذ يمكننا أن نراه من منظور أنه حادث طائفي يستهدف المسيحيين ، وهم يقيمون الصلاة فى بيت من بيوت الله ، وبذلك يُضم إلى سلسلة متواصلة من الأحداث الطائفية المهينة لإنسانيتنا جميعا . كما يمكن لنا أن نرى هذا الحادث الإجرامي ، بمثابة حلقة من سلسلة طويلة جدا من جرائم سفك دماء المصريين على مدى ثلاثة عقود متصلة من حكم الرئيس مبارك . فكرامة المصريين مستباحة ، ودماءهم تُسفك في كل مكان ، في البر والبحر والجو ! وعلى شتى الطرق ، وعلى الحدود ، وفي القطار ، والمسرح ، والعبارة ، والطائرة ! فمن المسئول عن سفك كل هذه الدماء البريئة ؟ ومن المسئول عن هذا الشحن الطائفي فى أجواء المحروسة ؟ من السهل جدا أن نلقى بالأمر كله على عاتق قوى خارجية ، لكننا – في هذه الحالة – نكون قد أغلقنا أعيننا عن حقيقة ما يحدث داخل مصر . فتنظيم القاعدة ، أو أجهزة المخابرات سواء الإسرائيلية أو غيرها ، ما كان يمكن لهم أن يعبثوا بأمن مصر القومي ، لولا هذه الحالة البائسة التي وصلنا إليها من تحلل وتفكك وانهيار وفساد طال كل شيء . فالمناخ في مصر الآن يسمح بكل هذا الذي حدث ، وأكثر منه أيضا ! أما محاولة الإجابة عن السؤال الأهم ، فتدفعنا إلى التوقف عن النظر تحت أقدامنا ، وتوجيه نظرنا إلى الأمام لنرى حقيقة حالنا من مختلف جوانبه ، ولنبدأ بالاستبداد السياسي ، وتزوير إرادة الأمة ، مما أدى إلى سد جميع الطرق أمام التغيير ، أو حتى مجرد الحركة الطبيعية في اتجاه مستقبل أفضل ، مما دفع بالناس – وبخاصة الشباب - إلى حالة من اليأس والقنوط والإحباط . ولننظر إلى حجم الفساد المستشري في كل مكان ، ولنتابع نمو هذه العلاقة الآثمة بين سلطة فاسدة ، و رأس مال مستغل . إذن مجمل أوضاعنا السياسية والاقتصادية تثير القهر واليأس ، أو تثير الحنق والغضب . ولا يمكن أن نغفل عن حال التعليم المتدني ، الذي دفع ملايين الشباب إلى البطالة والتطرف وقلة الحيلة . كما لا يجب أن ننسى دور أجهزة الإعلام التي تضلل الناس من جهة ، وتثير الفتنة من جهة أخرى ، إذ إن خلق أعداء وهميين يبعدنا دائما عن عدونا الحقيقي . وثمة من يثير الفتنة عن جهل أحيانا ، أو يثيرها عن علم في أحيان أخرى ! لكنه علم أسوأ من الجهل ، إذ يُخرج من بطون كتب قديمة ، أفكارا بالية تجاوزها الزمن ، ولا علاقة لها بجوهر الدين ، ولا بظروف مجتمعنا ، إنه علم أعمى بلا بصيرة ، ولا حكمة ! فأي علم هذا الذي يثير الفتن ، ويبعث الكراهية في النفوس ؟! أنه الجهل حين يرتدى ثياب العلم . أو هو الشر حين يتخفى في هيئة الخير . لا معنى إذن أن نكتفي بالبكاء على رحيل الأرواح الطاهرة ، ولا معنى لإقامة سرادقات العزاء ، إذا كان شلال الدماء هذا مستمر فى التدفق هكذا إلى ما لا نهاية ، فهذه الجرائم لن تتوقف إذا لم نواجه أزمتنا بشجاعة وقوة ووضوح . فلماذا لم يصدر – منذ سنوات – قانون بناء دور العبادة الموحد ؟ ولماذا هذه التفرقة بين أبناء الوطن ؟ إن مصر فى أشد الحاجة إلى تغيير شامل يعيد أوضاعنا المقلوبة إلى وضعها الصحيح . . .