مازالت حياة الشاعر الروائي محمد ناجي في خطر بعد كل ما بذل من جهود لجمع مبلغ يمكنه من السفر للخارج لإجراء عملية زراعة كبد. الكاتب الذي أثري الرواية العربية بتحفته «مقامات عربية»، و «لحن الصباح»، «وعايقة بنت الزين» و «خافية قمر»، و «رجل تافه وامرأة بلهاء»، و «الأفندي»، ثم مؤخرا رواية «ليلة سفر» الصادرة هذه الأيام عن الهلال. وقد كتبت في مطلع نوفمبر عن مرض ناجي بعنوان «انقذوا حياة محمد ناجي» ثم كتبت «الموت المتاح للكتاب»، وكانت ماثلة أمام عيني حالات أصدقاء أعزاء اخطتفهم الموت أمام أعيننا متحديًا عجزنا القاسي عن القيام بشيء، منهم الشاعر الكاتب فتحي عامر، ويوسف أبو رية، ونعمات البحيري، ومحمد صالح. وكان ناجي قد أجري عملية «حرق أورام» في الكبد لمحاصرة الورم الخبيث لكي لا ينتشر في الجسم، بأمل السفر بسرعة قبل أن تستفحل حالته. ولم تنفع كثيرا الرسالة الموجهة لرئيس الوزراء والتي وقع عليها كبار أدباء مصر وفي مقدمتهم العزيز الكبير بهاء طاهر، ومحمد البساطي، والغيطاني، وخيري شلبي، ومحمد المخزنجي، وعلاء الديب وغيرهم، كلا. لم تنفع بشيء، ولم نر أثرًا لها سوي صدور قرار هزيل من وزارة الصحة بتخصيص نحو مائة ألف جنيه مصري لا أكثر للعلاج، أما صحيفة «العالم اليوم» التي عمل بها ناجي سنوات طوال فلم تزد عن قرارها بصرف بطاقتي سفر وعودة للكاتب ! وناشدنا - بأكثر من قلم وأكثر من صوت ونبرة - رئيس اتحاد الكتاب محمد سلماوي، ونقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد بالتدخل السريع لإنقاذ حياة ناجي. وقد بذل الاثنان جهدا استثنائيا وأظهرا اهتماما إنسانيا حقيقيا حتي تمكنا بالفعل من جمع المبلغ المطلوب تقريبا بفضل علاقات الكاتبين الكبيرين داخل أوساط عديدة مؤثرة. ومع ذلك، مازالت هناك حاجة لأربعمائة ألف جنيه. ومازال المستشفي الذي يفترض أن يسافر ناجي للعلاج فيه يشترط دفع المبلغ كاملاً مقدمًا قبل أن يستقبله. والآن، وقد مر شهران كاملان علي كبد ينذر بنشر المرض الخبيث فإن حالة محمد ناجي تستفحل وتصبح أشد خطورة يومًا بعد آخر، ويحاول ناجي في سباق مع الزمن أن يلحق بالموعد الذي حدده له المستشفي في 25 يناير الحالي ! ولم نعد ندري لمن نرسل صوتنا ؟ ولم نعد ندري أي ضمير قد يتحرك ؟ ولم نعد ندري في أي مجتمع نحيا ؟. هل تتحرك صناديق رعاية الثقافة المصرية التي يقوم عليها رجال الأعمال الكبار ؟ هل تتحرك صناديق الثقافة العربية ؟ هل يواصل الكاتب الإنسان محمد سلماوي جهوده الاستثنائية حتي النهاية ؟ هل يستكمل نقيب الصحفيين ما بدأه ؟، أم أن علينا أن نقف متفرجين كما عودونا طويلا، حين يموت الكتاب، وحين تحاصر غزة، وحين تباع المصانع، وحين تستشري البطالة ؟ وحين يضرب العراق، وحين ينتشر الفقر فيلتهم كل قيمة أخلاقية ؟ وحين يتوحش الظلام ويغتال إخواننا الأقباط في أعيادهم؟ وحين تتم صناعة الكتاب بالمال والعلاقات وأجهزة الأمن ؟ لم نعد ندري ماذا نفعل عندما لا يبقي في الروح من كل هذا الوطن سوي المرارة ؟. لم نعد ندري إلي متي يرحل عنا كل من شغل عقله ونفسه بإضاءة الأحلام في أرواحنا ؟ إلي متي يموت الكتاب لمجرد أن جيوبهم ليست منتفخة بأوراق البنكنوت ؟ يقول الروائي محمد ناجي في حوار معه «بعض الكتابة يقود إلي الموت»، وقد عري ناجي في روايته «الأفندي» هذا المجتمع الذي نحيا فيه، فقدم لنا الصحفي الانتهازي، والكاتبة الخليجية، والمذيعة المدعية، والمجتمع الذي انتشرت فيه كالفطر السام شريحة كاملة من أشباه أدباء يعيشون علي «أدباء من الباطن» وذلك حين خاطب فايز واصف صديقه حبيب الله بقوله : «سأدبر لك من يكتب باسمك. بألف أو بألفين تصبح مشهورا، مفكرا أو روائيا أو شاعرا، ادفع وافعل ما تشاء» ! لقد سدد محمد ناجي ضرباته إلي ذلك المجتمع فحق للمجتمع الفاسد أن يتربص بناجي، ووجه ناجي ضرباته إلي «الأفندي»، فحق للأفندي أن ينتقم من كاتبه !. «الأفندي» الذي وثب من تغيير الدولارات إلي السياحة ومنها إلي ترتيب السهرات في شقق مفروشة ومنها إلي شراء الأراضي وصولاً إلي صناعة الثقافة !. هذا هو المجتمع الذي خاصمه محمد ناجي وألقي الضوء عليه في كل رواياته. الآن يقف المجتمع ليعاقب الروائي المبدع ويختبره ويسأله مرة أخري : «ألم يكن من الأفضل لك ألا تتكلم ؟ ألا تنطق بما تري ؟». لكن ناجي وهو في قبضة الخطر يقول ل«الأفندي» بنظرة هادئة ساخرة : «إذا لم تكن الحياة بطعم الكرامة فلا معني لها، وسوف نحيا، ونكتب، ونبتهج، حتي.. يعود الوجود لدورته الدائرة.. النجوم لميقاتها.. والطيور لأصواتها.. والرمال لذراتها.. وساعتها يكون لنا حديث آخر.. يا أفندي !».