عاد الهدوء إلى مدينة سيدي بوزيدالتونسية بعد مواجهات عنيفة نهاية الأسبوع الماضي بين قوات الأمن ومتظاهرين نزلوا الشوارع في أعقاب إقدام شاب على حرق نفسه احتجاجا على تعرضه للضرب، ومنعه من ممارسة عمله كبائع متجول. وفي غضون ذلك، رفضت السلطات بشدة ما وصفته بالتوظيف السياسي غير الشريف لما جرى في المدينة من أحداث قالت إنها ناتجة عن مسألة "شخصية ومعزولة". فقد قال علي بوعزيزي، أحد أقارب التاجر الشاب، في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الفرنسية "الهدوء يخيم على مدينة سيدي بوزيد" التي شهدت السبت والأحد مواجهات بين رجال الأمن ومواطنين إثر إقادم شاب يدعى محمد بوعزيزي (26 عاما) على إحراق نفسه احتجاجا على مصادرة عربته التي يستخدمها لبيع الخضر والفواكه. في نفس السياق، قال حافظ الغربي، أحد أعضاء "اللجنة الجهوية لمتابعة الأوضاع بسيدي بوزيد" -التي تشكلت بالمناسبة وتضم إلى جانب علي بوعزيزي باحثين جامعيين ونشطاء سياسيين ونقابيين- إن قوات الأمن ما تزال منتشرة بكثافة في المنطقة. تعليقا على هذه التطورات، رفضت السلطات التونسية بشدة ما وصفته بالتوظيف السياسي غير الشريف لما جرى في مدينة سيدي بوزيد من أحداث، قالت إنها ناتجة عن "مسألة شخصية ومعزولة". وقال مصدر رسمي في بيان نُشر في ساعة متأخرة من ليل أمس، إن التأويلات التي ذهبت إليها بعض الأطراف بشأن الحادثة التي حصلت نهاية الأسبوع الماضي في سيدي بوزيد، غير مبررة. وأوضح البيان، أن "مصالح التراتيب البلدية (الأعوان) بسيدي بوزيد قامت في نطاق عمليات مراقبتها العادية بلفت انتباه بائع متجول إلى أنه يمارس نشاطه التجاري في مكان غير مرخص فيه وطلبت منه تحويل ذلك النشاط إلى مكان آخر". وأشار إلى أن "المعني بالأمر رفض الامتثال.. وعندما تمسك الأعوان بتطبيق القانون امتنع وأقدم على محاولة الانتحار حرقا". واستغرب المصدر الرسمي محاولات بعض الأطراف الانحراف بهذه الحادثة الشخصية المعزولة عن سياقها الحقيقي واستغلالها لأغراض سياسية غير شريفة وربطها بغرض التضليل والإثارة بحقوق الإنسان والحريات، والتشكيك في مقومات التنمية بالجهة. في المقابل، رأى عدد من أحزاب المعارضة أن ما حدث في سيدي بوزيد يستوجب معالجة فورية للأوضاع الاجتماعية في الجهة. وطالب تلك الأحزاب بإطلاق سراح الذين تم اعتقالهم خلال هذه المواجهات، وفك ما وصفته بالحصار الأمني المفروض على مدينة سيدي بوزيد. وفي موقف آخر، دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى "فتح تحقيق جدي وعاجل للوقوف على حقيقة هذه المأساة والمسؤولين عنها" مع "توفير العمل لطالبيه خاصة من حاملي الشهادات العليا". من جهته، دعا الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أمس الاثنين في بيان له إلى "إطلاق سبيل كافة المعتقلين وإيقاف التتبعات العدلية ضدهم" وطالب ب"فتح حوار مباشر مع ممثلي الشباب العاطل عن العمل والهيئات المدنية بهدف وضع خطة تنموية تراعي التوازن والعدل بين الجهات". ويعتبر تشغيل حاملي الشهادات العليا من أكبر التحديات التي تؤرق الحكومة التي تسعى لتوفير مزيد من فرص العمل في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى 14% وفقا للأرقام الرسمية. ويتعين على الدولة أن توفر في السنوات الخمس المقبلة 425 ألف فرصة عمل لتغطية الاحتياجات الإضافية، وخفض نسبة البطالة بنسبة 1.5% لضمان مورد رزق واحد على الأقل لكل أسرة تونسية. يُشار إلى أن منطقة الجنوب الغربي شهدت السنوات الأخيرة حركة احتجاجات اجتماعية. فقد عرفت مدينة الرديف من محافظة قفصة مثلا، تحركات احتجاجية كبيرة عام 2008 استمرت أشهرا ضد البطالة وغلاء المعيشة وتعثر التنمية بالمنطقة المعروفة باسم "الحوض المنجمي" لغناها بالفوسفات، وامتدت إلى مدينة أم العرائس المجاورة وفريانة من ولاية القصرين. ومن جهة أخري تربع موقع فيسبوك على عرش مصادر استقاء الأخبار والصور ولقطات الفيديو، وأضحى مساحة للتعبير عن الآراء والمواقف حول ما يجري من احتجاجات تستمر لليوم الثامن على التوالي بمحافظة سيدي بوزيد وسط تونس. ووجدت أغلب وسائل الإعلام المرئية مجبرة على بث ما ينشر على صفحات أعضاء فيسبوك في تقاريرها الإخبارية، على اعتبار أن السلطات التونسية تفرض حصارا على دخول الصحفيين إلى مناطق الاحتجاجات. وأنشئت على الموقع مجموعات مساندة للاحتجاجات بينها "يوميات الأحداث في سيدي بوزيد المناضلة" و"فداء للبطل محمد البوعزيزي" و"الهبّة المواطِنيّة لدعم أهلنا في سيدي بوزيد ضدّ قمع السلطة وحقرتها" و"توقفوا عن إشعال الفتنة في سيدي بوزيد" و"بغداد التونسيةسيدي بوزيد". غير أن هذه الحركية ترافقت مع لا مبالاة من قبل أغلب الأعضاء التونسيين بالموقع الاجتماعي. وفي السياق عبرت إحدى الناشطات السياسيات على صفحتها في فيسبوك عن استغرابها للامبالاة أعضاء الموقع التونسيين في التفاعل مع ما يحدث في سيدي بوزيد ونشرهم الأغاني وتبادل التهاني دون اكتراث بهذه الاحتجاجات.