ربما تكون هذه أشهر جريمة قتل في عصرنا الحالي ..و لكنها جريمة من نوع خاص ،أصابت أكثر ممن أُصيبوا في الحروب العالمية مجتمعة ..أهتزّ لها العالم أجمع و أخذ يحلل تفاصيلها..إنها جريمة ( القتل المُعدي ) و لعل تفاصيلها بدأت حينما قالت له : أنت أسود، إفريقيّ الأصل، عربيّ الأسم 'حسين' ، مسلم الأب، حديث السنّ و تريد أن تحكم أقوى دولة في العالم ؟ لن تستطيع ...... فقتلها ! ولكن عزيزي القارئ قبل أن أسرد لك تفاصيل هذه الواقعة، إذا كنت تعتبر نفسك أحد المصريين المتشائمين سواء كنت تعيش داخل مصر أو خارجها ،فمن فضلك لا تُكمل قراءة هذا المقال فلن تجد هنا ما يسرّك ( أقصد ما يزيدك تشاؤماً ) ،و حرصاً على وقتك الثمين و طاقة الغضب التي بداخلك فإنني على يقين أنك ستجد الكثير من الأخبار و المقالات الأُخري التي تُعينك على سبّ ولعن كل شئ في حياتك بل و ستساعدك على الغوص في مستنقع نظرية المؤامرة عليك فتأخذك الحميّة و تُظهر كل أسلحتك و تصوبها تجاه من يخالفك الرأي ويحاول إظهار أن هناك بارقة أمل، فتتشاجر معه ( محدّثاً أو معلْقاً ) لمحاولة إغتياله معنوياً وإن لم تستطع تتهمه بالخيانة حتى لا تجرح كبريائك و تبقى دائماً (الضحية) .وينتهي يومك علي ذلك دون أن تفعل أي شئ سوي الصراخ و العويل،ولكن أُبشرك أن حاضرك و مستقبلك سيكون مثل ماضيك....فالتبقى كما أنت ولتنعم بذلك. أما إذا قررت أن تُكمل القراءة فإنني أحتسبك من (حزب المتفائلين) الذي أنتمي إليه ،ولكن دعني أبتعد عن كلمة ( حزب) حتى لا يظهر لنا أحداً من لجنة شئون الأحزاب و يقول لنا أنه حزب غير شرعي وأستبدلها بالأقلية المتفائلة بل وقد نُطالب ببعض الحقوق الإضافية كوننا ( أقلية ) ولكن عذراً لقد تناسيت ( ولم أنسى) أن الأكثرية لم تحصل على كافة حقوقها حتى الآن..إذاً فلن نحصل علي شئ. على كل حال، دعني أُحييك أولاً على صمودك طوال هذه السنوات و أتعجب حقاً كيف إستطعت أن تفعل هذا أمام هذا الكم من المصائب و الإنحدار الذي نراه في أغلب المجالات: من صحة و تعليم ومستوى معيشي ولا سيّما حقوق الإنسان التي أصبحنا نتفنن في كيفية إذٌلال و إهانة و تعذيب الآخر، ولا أُحب أن أُطيل في سرد مشاكلنا حتى لا أضعف من عزيمتك و كذلك لن أجد مساحة لذلك إن أحببت, ولكن يكفيك أن تتصفح الجرائد اليومية أو تشاهد أيّ من البرامج الحوارية ولا سيمّا حين تتعامل مع المحيطين بك في العمل أو الدراسة حتى تُصاب بالإحباط وتفقد الأمل الذي بداخلك ولكنك إستطعت الصمود و المقاومة ، لذلك أحببت أن أُشاركك تجربتي البسيطة هنا في الولاياتالمتحدة عسى أن نستفيد منهم في شئ .وقبل أن يذهب خيالك إلى شئ بعيد ، فأنا لا أتحدث هنا عن الحكومة الأمريكية فربما يعترض الكثير منْا على سياستها الخارجية خاصة في منتطقتنا العربية ، ولكنني أتحدث عن شعب لم أشعر أنه يختلف عنّا كثيراً سوى في شئ أساسيّ فقدناه خلال الأعوام السابقة ولكن أتمنى أن نستعيده قريباَ .. فقد تزامن موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية مع وجودي في العاصمة (واشنطن )...كانت حالة مثيرة و شعور غريب إنتاب الجميع ، سألني كل من قابلته و تحدثت معه عمّا إذا كنت سأذهب لمشاهدة هذه اللحظة التاريخية ، قررت الذهاب فصدمت بما رأيت ; * رأيت أكثر من مليون شخص يتوافدون من جميع الولايات و البلاد يتوجهون مذ فجر هذا اليوم لإنتظار هذه اللحظة غير عابئين بدرجة الحرارة شديدة الانخفاض فقد إلتهب الجو بمشاعر يعجز قلمي عن وصفها. * رأيت أُناساً يحلمون بمستقبل أفضل مع إنهم يعيشون في أكثر دول العالم تقدماَ ولكنهم شعروا أنهم أخطأوا كثيراً فيما مضى و يريدون تصحيح ماحدث و يتطلعون لحياة أفضل لأبنائهم. *رأيت كيف وبّخ الحاضرون (معظمهم من الحزب الديمقراطي وليس الحزب الوطني الديمقراطي) جورج بوش حين ظهر على المنصة و كيف إستقبلوا أوباما بالأعلام التي رفرفت عالياً تذكرت وقتها يوم رفعنا علمنا المصري في كل مكان بعد فوزنا ببطولة الأمم الأفريقية )ولكن مع الفارق.. شعباً لا يختلف عنّا كثيراً سوى أنه يملك (الأمل)، هذا الأمل الذي يعينه علي كل شئ.. دفعني كل ذلك لمحاولة فهم هذه الحالة و كيف إستطاع أوباما أن يفعل ما راهن الكثير على إستحالته خاصة في بلد كانت تطبق العنصرية منذ أقل من نصف قرن، فقرأت كتابه الخاص (Dreams from my father) الذي يروي فيه سيرته الذاتية واستنتجت من قرائتي أنه أول من أرتكب ما ذكرت سابقاً ، فقد إستطاع أن يقتل( فكرة اليأس وأنه لا يستطيع ) ، بل وأستطاع أن ينشر هذه الفكرة إلى كل من قابله فأصبحت كالعدوى سريعة الإنتشار أو دعني أُطلق عليها (القتل المُعدي) فبعد فترة قصيرة رأينا مدى إنتشارها متمثلة في شعار (نعم نستطيع YES WE CAN( بل و وصلت إلينا أيضاً و ورأينا أثرها (بنحبك يا اوباما (حين حضر إلينا لإلقاء خطابه الشهير في جامعة القاهرة .
لم أكن أعلم من قبل أن سرعة إنتشار هذه ( العدوى) إلى هذا الحدّ حتى رأيت ذلكيحدث امام عيني ولكنها تعتمد أساساَ على عدد الأشخاص الذين سيقومون بنشرها وليس على المصدر فحسب !! لذا فمن يعتقد منكم أن التغيير قائم على شخص بعينه أو تمنحه دولة لأُخرى فهو واهم ، و لكن لابد أن تكون إرادة شعبية.
ولا يخفى عليكم ما حدث هذه الأيام في الإنتخابات من تجاوزات و ما شاهدناه من عمليات التزوير من خلال الفيديوهات التي انتشرت على الموقع الالكترونية كالنار في الهشيم وسرعان ما علت نبرة ) مفيش فايدة ( ثانية !! و لكن عذراً :هل كنت تتوقع شئ آخر ؟؟ ما حدث هذا العام ربما يكون أقل مما حدث مسبقاً ، ولكن شعرت به نسبة للتقدم التكنولوجي في إستخدام كاميرات أجهزة المحمول و إزدياد عدد مستخدمي الإنترنت و إنتشار القنوات الفضائية والصحف الحرة (رغم أنها تُمنع بعد ذلك) و غيرها . ولكن يجب الإعتراف بتأثير كل من شارك في الوقفات الإحتجاجية و كل من نظم حملات التوعية التي رأيناها و ما نزال نراها حتى الآن.. لذا أرى أنه واجب علينا نشر عدوانا ونشر الوعي و الأمل فيمن حولك عندها سيتحقق الحلم .. كفانا سلبية قضت علينا سنين طويلة ! وقبل أن أتركك أذكرك أنك ضمن نسبة قليلة من المتعلمين (الذين لا تتعدى نسبتهم 70 % في بلدنا ) ممن يقرأون الصحف و يملكون الأمل، فضلاً عن ال 42% ممن يعيشون تحت خط الفقر فلا تتوقع بأن يعبأ أي منهم سوى بلقمة العيش حتى تبرز وتوضح له ذلك . فهناك مهمة كبيرة علينا لتوعية هؤلاء ، فنحن مثقفيها و القادرون على النهوض بها من جديد. و أحب أن أعتذر لك أيها المواطن المتشائم فلم أقصد توجيه أي إهانة لك و أعلم مدى حبك لهذا البلد و شغفك لمعرفة أخباره و متابعة ما يحدث و لكن أتمنى أن نبتعد قليلاً عن جلد الذات ، فطالما بكينا دموعاً و لكننا بقينا دهوراً. و اعلم ( إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ) و أن مستقبل هذا البلد بين يدك، فلا تضيّعه... فلننشر عدوانا ( الأمل ) حتى لا نموت بمرضنا ولنعطي درساَ جديداً للعالم أجمع في (القتل المُعدي) ولكن على الطريقة المصرية .