ثلاثون عاماً مضت من عمر النظام الحالى ومصر يتراجع دورها بشدة عن الريادة وماعادت رائدة كما فى السابق فالعارفون بتاريخ مصر منذ القدم يعرفون جيدا قيمة هذا الشعب وكم مرت به من المحن والأزمات ويخرج منها منتصرا جسوراً شجاعاً و من المعلوم تماما للشارع العربي دور مصر في تنوير وتثقيف أبناء الأمة العربية ودورها الريادي في ذلك منذ ان فتحها عمرو بن العاص مابين 641 - 654 م واستقبال أهلها للإسلام بحفاوة وصدر رحب والدخول فيه أفواجا ولم تمض سنوات قليلة إلا وأخذت مصر دور الريادة بعد ان عمم أهلها اللغة العربية لغة القرآن فيما بينهم وبدأ المصريون فى اعتلاء قمة هرم التنوير من وقتها، وهذا راجع لأنها تملك أعظم الحضارات البشرية التي سبقت شعوبا أخرى بآلاف الأميال من قبل دخول الإسلام إليها .. و جاءها الإسلام ليرفع من شأنها بالتوحيد بالله ويزيدها عزة وكرامة فهذا الشعب عمره تعدى ألاف السنين ويمكث فى الأرض ذاتها مشيدا أعظم الحضارات على وجه الأرض تعجز كل العلوم الحديثة على صنع ولو ذرة منها.! ودائما ماقترن دورها بالتغييرات التى تدور فى محيطها العربي والإقليمي من ثورات وحروب قامت ، كانت هى القاسم المشترك فيها والعامل المؤثر فى نتيجتها النهائية ..فمصر هي التى علمت إفريقيا الثورات وكيفية محاربة المستعمر والتخلص منه وهى التى قادت وشاركت فى تحرير كل العرب من الاستعمار البغيض وهي التى أثرت بعروبتها فى عروبة من عربوها من أشقائها العرب ونقلت ثقافتها الثرية وعلمها الغزير لأشقائها أيضا عرباً كانوا أو غير عرب..كل هذا فى طريقه للضياع أو قد يكون ضاع الجزء الأكبر منه وأصبح العرب ينظرون إلى مصر نظرة شفقة وبعضهم ينظر نظرة الشامت المتشفي بفعل النظام القائم وسياسته التى اتسمت بالغرور والعنجهية والأنا ..وإهمال الغير ..وأغلبية العرب ينظرون الآن لمصر كحليف استراتيجي لإسرائيل تصوروا..! بعدما كانت العدو الأول .ويرون أنها لا تلعب دور الوسيط بل تلعب دوراً فيه من التحيز الكثير للعدو.. المغتصب لوطن كامل، فالنظام المصري يعادي من يعادون إسرائيل .فنجده يعادي حماس وحزب الله وايران أليست هذه مفارقة غريبة لأن النظام المصرى يرى ان السلام مع إسرائيل هو الخيار الوحيد ويرفع هذا الشعار منذ 30 سنة وهو مايتنافي مع سياسة الصهاينة اليهود والتجارب كثيرة خلال هذه السنوات فلا ثمة تقدم قيد أنملة فى سلام ولا كلام كل ماهنالك مضيعة للوقت والنظام الحاكم فى مصر ينساق خلف أوهام وسراب وينتظر وما فائدة الانتظار حين ننتظر سرابا.!؟ فالتراجع المصري وفقدان الريادة بقى ويبقي فى تراجعه حتى وصل بنا إلى أسفل الهرم بعدما كان يقف بشموخ على قمته..ولن تنهض مصر أبدا فى ظل نظام يمشي بصلف وغرور عكس السير فالدول تبلور سياستها الآنية دائما على قراءات مستقبلية لما يجري حولها فى العالم..وما جرى من دول حوض النيل وتهديد امن مصر المائي ماكان له ان يتصاعد بهذه الحدة لو ان دور مصر المحوري فى أفريقيا كان فاعلا وسهامه نافذة كما كان فى السابق.. فتعاظم دور هذه الدول وباتت لها كلمة مسموعة وتقف على ارض صلبة وكانت النتيجة أننا خسرنا الكثير فى هذا الجانب ونخسر كل يوم المزيد..ومازاد على ذلك ان السودان فى طريقه ليكون دولتين منفصلتين ولن تجدي مخططات مصر فى هذا الجانب لتأخرها سنوات بعدم التدخل بثقلها لإيجاد الحلول المناسبة، واهمالها ملف بلد شقيق تقف فى ظهرها وتؤمن لها الماء وجاءت لتتحرك فى الوقت الضائع.!وكلنا يعرف مدى أهمية السودان لمصر وماتمثل لها من عمق استراتيجي والآن ترى مصر جنوب السودان يقتطع بدعم ووجود إسرائيلي فاعل بدأ منذ سنوات عديدة وتقف موقف المتفرج. مصر التى دائما ماكانت تقود أصبحت الآن تفتقد المقود ..مصر التى لم يتم إخضاعها إلا بإقناعها أصبحت الآن تخضع مقتنعة غير معترفة بانحسار دورها فالشعب المصري على مر العصور مرت به الانتصارات والانتكاسات ولم تندثر ثقافته ولم يطمس تاريخه ولم تمح هويته وخصوصيته ..وعندما يتراجع دور مصر تتراجع معه كل ادوارالعرب..! وقد نلخص سياسات مصر الخارجية فى العقود الثلاثة الاخيرة فى عدة محاور هي.. المحافظة على العلاقة مع اسرائيل والعمل على تفادي ما يعكر صفوها وضخ الغاز المصري للعدو بثمن بخس، ونحن فى اشد الحاجة اليه.! نيل رضا امريكا لضمان تدفق المعونات والهبات حتى لو مقابل كرامة الوطن، صدامات دائمة مع اكثر من دولة عربية لأسباب واهية فمصر دائمة الاختلاف مع قطر فى العقد الأخير بسبب لعبها اكثر من دور ايجابي فى لبنان والسودان وترى انها الأحق بهذا الدور وبسبب قناة الجزيرة ايضا.! وتختلف مع سوريا والسبب كيفية التعاطي مع قضية فلسطين والصلح مع اسرائيل، مصر لا تري سوى نفسها بما يتعلق بالقضية الفلسطينية ولا تقبل شريكا عربياً آخر وتلك كارثة.! وعن السياسة الداخلية حدث ولاحرج نظام استبدادي رافض للتغيير والتطوير..نظام أتي بأهل المال فطوعوا البلد وقوانينها لخدمة رأس المال فتراجع مستوى الشعب على كافة الاصعدة وتراجعت معه الدخول وتفشت الامراض وتراكمت المشاكل حتى باتت الأمور تدار بعشوائية فللمرة الأولى نرى طوابير العيش والغاز واخيرا الطماطم ولانعلم ماذا سيكون غدا.! وغياب الحريات إلا بما يسمح به النظام.،فى ظل قانون طوارئ يحكمنا ويخنقنا..واجتمعت السلطة مع المال فانتشر الفساد وعشعش فى ربوع مصر. ووقع ما كان يحذر منه كثير من المثقفين والمعارضين السياسيين المصريين من التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس مبارك على (34) مادة من الدستور عام 2007، انعكست بالسلب والتضييق على الدستور والشعب، فجاءت التعديلات مخيبة للآمال. ويسود من وقتها بين المثقفين والمعارضين رأي عام ينتهي إلى عدم صلاحية التعديلات الدستورية من جميع النواحي، واصفين إياها بالخاطئة من الناحية القانونية، والشكلية والموضوعية، ويقولون إنها تعديات دستورية وليست تعديلات كما يقول النظام، وهي كارثة على ما بقي من الدستور، وأن هذه التعديلات تهدف إلى مزيد من تركيز السلطة وكبت الحريات والاعتداء على الحقوق واستقلال القضاء وإعدام كل أمل في التغيير. ويرى المعارضون للتعديلات أنها أدت إلى مخالفة المواد الدستورية للقواعد العرفية وقواعد العدالة المعروفة عند تنظيم وتعديل الدستور، وعلى الجميع "أحزابا وقوى سياسية وجمهورا" خوض المعركة ضد الحزب الوطني" لإسقاط هذا التعنت والانفراد لأن مصر للجميع، وليست ملك الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية دون النظر لمصالح البلاد أليست هذه السياسة الداخلية التى يكتوي بها الشعب. فطبيعي ان تذهب ريادة مصر ويتراجع دورها خارجياً وداخلياً وتٌمتهن من الغير طالما يتحكم رأس المال فى صنع القرارات التى تتسق ورؤاه ومصالحه فى الداخل.. وطبيعي ان يتراجع دورها الاقليمي والدولى ويذهب للغير طالما بقي هذا النظام يرى فى التحالف والصلح مع اسرائيل والعمل مع امريكا هما طوق النجاة.