يمتلك "أحمد حلمى" كاريزما خاصة منبعها الأصلى انه دائم البحث عن شكل مختلف لأفلامه، وانه يبلور فى أفلامه نوعية من الكوميديا التى تستلهم لغة العصر وملامح جيل الشباب وطريقة مرحهم، ورغم انه اختار التطور والنمو البطىء منذ بداياته الأولى الا انه أثبت انه كان يبحث عن حالة فنية طازجة وشابة لكنها ناضجة راسخة الأساس، ذكاء حلمى جعله يفضل المسيرة البطيئة الواثقة عن التسرع الاستهلاكى الذى يحرق النجم الكوميدى سريعاً بالاغراق فى التهريج وكوميديا الايفيهات، أعاد بجرأة للشاشة الكوميديا الخفيفة بدلاً من كوميديا التهريج التى لا تحمل أى مضمون وقدم الكوميديا السوداء فى عدد من أفلامه منها "أسف على الازعاج"، وقدم فى "ألف مبروك" فانتازيا كوميدية تحمل عمق انسانى، وقدم النقد الاجتماعى والسياسى فى "عسل اسود"، ووصل الى محطة "بلبل حيران" الى ما يشبه استراحة من الأفكار الجديدة، واستراحة من الكوميديا التى تحمل عمق أو مضمون يلفت النظر. لأحمد حلمى الكوميديان حضور على الشاشة فى فيلمه "بلبل حيران"، ولكن فى ظل غياب عناصر هامة كالسيناريو القوى المتماسك، أو المخرج الذى يسد ثغرات السيناريو ويحافظ على ايقاع المشاهد .. يطغى على الفيلم حضور "أحمد حلمى" الممثل الكوميدى المحبوب الذى يطلق على الشاشة أكبر قدر من الايفيهات اللفظية التى تؤكد كثافتها أن دراما الفيلم تعانى من أنيميا حادة فى الأفكار، وبعض هذه الايفيهات حملت ايحاءات جنسية لم يتعود عليها المشاهد من حلمى الذى يدخل أفلامه دائماً مسلحاً بعناصر فنية تغنيه تماماً عن الاستعانة بسلاح زغزغة المشاهد بالايفيه المبتذل. يقدم الفيلم فكرة جيدة لم تكتمل أو تنضج تماماً، وهى فكرة حيرة شاب فى اختيار فتاة أحلامه.. البطل شاب يتعرض لتجربتين عاطفتين تنتهى بخطبة، الأولى مع "زينة" عازفة الهارمونيكا التى تنتهى علاقته بها بسبب مبالغة الفتاة فى الاستقلال عن خطيبها، وهو استقلال يصل الى حد انها تلغى شخصيته تماماً وتختار له كل شىء وتفرض عليه هذه الاختيارات، أما الفتاة الثانية التى تقوم بدورها "شيرى" فهى تعمل معه مصممة ديكور وهو يميل اليها لمجرد انها نقيض الفتاة الأولى، هى فتاة ضعيفة تعتمد عليه حتى فى فتح علبة الكانز، وهى بلا شخصية واختياراتها صدى لاختياراته هو .. يشبع هذا فى البطل احساسه القيادى باعتماد الفتاة عليه ثم لا يلبث أن يكره شخصيتها المنقادة دائماً، ورغم انه يفسخ خطوبته بها الا انه يعود اليها مرة أخرى بعد الحاحها، وتستغرق علاقة بلبل بخطيبتيه جزء طويل وممطوط من الفيلم، فكل شىء يتحرك فى السيناريو وعلى الشاشة ببط شديد، أداء "زينة" و"شيرى" سطحى وبلا اجتهاد للتعبير ولا يساعد على تصديق الشخصيات المبنية بسطحية هى الأخرى، الوحيدة التى اجتهدت فى دورها كانت "ايمى سمير غانم" طبيبة العلاج الطبيعى، شخصية بلبل نفسها لم تكن واضحة درامياً فالمفترض انه شاب متردد فى اختياراته، ولكن لم ينعكس هذا على رسم شخصيته على الشاشة التى ظهرت واثقة ساخرة دائماً بصورة تناقض تردده الشديد فى علاقته بخطيبتيه. حركة الكاميرا وايقاع المشاهد لم يخدما كثيراً هذا الجزء من الفيلم الذى هو فى الاصل فلاش باك طويل يحكيه بلبل لطبيبته بينما هو نائم محطم الجسد ملفوف فى الجبس .. دكتورة العلاج الطبيعى "ايمى سمير غانم" المشرفة على علاجه بدت فى الفيلم أقرب الى ممرضة منها طبيبة، فطبيبة العلاج الطبيعى ليس من مهامها تنظيف المريض وغسل اسنانه.. هو يحكى لها كل ما حدث له قبل أن يسقط من طائرة بدون باراشوت، وهى احدى المبالغات التى احتوى عليها الفيلم و تخاصم المنطق، بل انها تحارب المنطق تماماً فلا يعقل أن يسقط شخص من طائرة بدون باراشوت ويظل على قيد الحياة مع مجرد رضوض وكسور فى جسمه فقط، السيناريو يستخدم حبكة أخرى مستهلكة وغير منطقية مثل حبكة سقوط البطل على رأسه وفقدانه الذاكرة لمدة ستة شهور؟ ثم يتعرض البطل لصدمة أخرى على رأسه لتعود اليه الذاكرة، وهناك أشياء أخرى كثيرة تدلل على استخفاف السيناريو التام بالمشاهد وبالدراما، وقد يكون مفهوماً أن يتحول كيد الفتاتين واتفاقهما على الانتقام من البطل بتشكيكه فى سلامة عقله كمبالغة استغلها الفيلم فى الاضحاك، ولكن يجب ان يكون كل ذلك مبنى على منطق ما، فلم يوضح الفيلم كيف أعدت الفتاتان للانتقام بكل هذه الدقة، وكيف يكون الانتقام سخيفاً الى حد ان الفتاتان تدبرا مع الطبيبة على وضع فار فى سرير البطل لانه يخاف من الفئران، أو حرمانه من شرب السجائر، أو ضربه بمضرب الذباب، وكيف توافق طبيبة على تعذيب مريض لا حول له ولا قوة؟ وكيف استمرت الفتيات فى تعذيب البطل وهو فى المستشفى بعد أن كادوا أن يقتلوه بالفعل بدفعه للقفز من الطائرة ؟! الفيلم اعتمد على كاريزما "أحمد حلمى" لكن مع غياب وتراجع العناصر الفنية تحول الفيلم الى كوميديا باهتة تعتمد على الايفيهات والدراما الغير منطقية، وأغلب الظن أن "أحمد حلمى" سيدرك مبكراً عيوب الفيلم، وبذكائه سيدقق كثيراً وهو يعد لفيلمه القادم، فهذا الفيلم ليس مقياساً لامكانياته ولا يشبه اختياراته الأخيرة، وأية ايرادات يحصل عليها "بلبل حيران" مرجعها فقط ثقة الجمهور المطلقة فيه التى رسخت من أعماله السابقة، وأغلب الظن أيضاً انه فى المرة القادمة التى يقفز فيها محلقاً من طائرة الكوميديا سيتأكد انه يحمل معه باراشوت!