للأفلام الكوميدية منطقها الخاص، ولايجوز أن تطبق عليها منطق الفيلم الواقعي أو السياسي، ولكن للأسف بعض من يكتبون عن الأفلام يجهلون تلك الفروق، ويتساءل أحدهم هل من المنطق أن تقوم الطبيبة بتنظيف أسنان مريضها أو أن تجلس للاستماع إلي قصة حياته طوال يوم عملها الذي كتب هذا الرأي لايفهم شيئا عن تصنيف السينما الكوميدية، التي تميل إلي المبالغة أحيانا، وغدا حاولنا أن نطرح أسئلة مشابهة حول أهم أفلام الكوميديا التي قدمتها السينما المصرية أو العالمية، سوف نخلص إلي أن كلها تبعد عن منطق الحياة الطبيعية! وهل يمكن أن يقبل العقل وجود حبوب للشجاعة أو الصراحة مثل تلك التي قدمها الفيلم الكوميدي الرائع أرض النفاق"المصري" وهل يقبل العقل أن يعثر الانسان علي قناع يكتسب من يرتديه قدرات خارقة؟ مثلما حدث مع الممثل "جيم كاري" في الفيلم الامريكي "القناع" أو mask فن السينما يعتمد في الأصل علي خصوبة الخيال، ومايحدث علي الشاشة يختلف أو يجب أن يختلف عما يحدث في الواقع، ومن الخطأ الفادح أن نعتقد أن مدرسة الواقعية هي الوحيدة التي ينتمي إليها كل الأفلام، فلكل فيلم قانونه الخاص وعالمه الذي يميزه عن غيره من الأفلام وتكمن مهارة كاتب السيناريو والمخرج وبقية فريق العمل في تصديق مايجري علي الشاشة! وأكثر نجوم الشاشة نجاحا هو من يملك جرأة التجربة والابتكار والخروج عن المألوف، وهي أسباب نجاح وتفرد الفنان أحمد حلمي، فمع كل فيلم جديد يقدمه يتساءل الجمهور عن الشخصية التي سوف يظهر علينا بها فحلمي من القلائل الذين يحرصون علي أن تكون كل شخصية يلعبها لها ملامح خارجية وداخلية تميزها عن غيرها من الشخصيات التي سبق له تقديمها! وفي أحدث أفلامه »بلبل حيران« الذي يعتبر التجربة الثالثة التي تجمعه بالمخرج الموهوب خالد مرعي يقدم حلمي شخصية مبتكرة، بلبل شخصية تشبه الكثير من الشباب فهو متردد، يبحث عن نموذج فريد من النساء، ويطمح أن تجتمع في الفتاة التي يختارها شريكة لحياته، كل المميزات والخصال التي يمكن أن ترضي غرور الرجل، جميلة وجريئة وعصرية وذات شخصية، فإذا عثر علي فتاة بها تلك المواصفات، سرعان مايضيق بها، ويشعر أنها لاتهتم به ولاتعتمد عليه وأنه لايمثل شيئا إيجابيا في حياتها، وينجذب بسرعة للفتاة التي تغرق في شبر مية، قليلة التجربة التي تلقي بأعبائها عليه، وليس لها موقف من الحياة، وطبعا هذا النموذج من النساء يصيب الشاب بالملل والضيق أيضا، في مشاهد الفيلم الأولي يقدم لنا السيناريست خالد دياب ملامح بسيطة لشخصية بلبل "أحمد حلمي"، الذي نراه راقداً في مستشفي ، وقد أصيب بكسور وجروح وكدمات لانعرف سببها، وتقوم الطبيبة الشابة أمل" إيمي سمير غانم"برعايته وأثناء ذلك يدور بينهما حوار طويل، يحكي لها من خلاله تجربته مع الجنس اللطيف،وتبدأ الحكاية بلقائه بياسمين "زينة" وهي فتاة جميلة وعصرية ولها شخصية مستقلة ومسيطرة أحياناً، ويقرر بلبل أن يفسخ خطبته لها، ليبحث عن أخري بها مواصفات مختلفة ويجد غايته مع هالة "شيري عادل" التي تختلف تماما عن ياسمين ويفرح بها بلبل فترة من الوقت، ولكنه يدرك أن قلة خبرتها في الحياة واعتمادها عليه في كل كبيرة وصغيرة يمكن أن يصيبه بالجنون ويقرر للمرة الثانية أن يفسخ خطبته، مما يسبب للفتاة ألماً كبيراً، ويحدث أن يصاب بلبل بفقدان مؤقت للذاكرة ويلتقي مرة ثانية بخطيبته الاولي ياسمين فيعجب بها ويتمناها زوجة، ولكن الفتاة التي كانت لاتزال تعاني من جرح كبريائها بعد هجره لها، تقرر أن تلقنه درساً بمساعدة خطيبته الثانية هالة! يعتمد الفيلم علي كوميديا الموقف، وعن كشف جوانب من علاقة الرجل والمرأة ونظرة كل منهما للآخر، وهذه النوعية من الأفلام كانت السينما المصرية تقدمها بنجاح في سنوات مجدها، مثل أفلام آه من حواء والزوجة 13 وإشاعة حب وغيرها وهي أفلام بسيطة وخفيفة لاتطرح أي نوع من القضايا ولكنها رغم ذلك تحقق نجاحا كبيرا، فالعلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة تؤدي إلي حكايات لاتنتهي ،وللأسف توقفت السينما المصرية عن تقديم تلك النوعية من الأفلام، واستغرقت في تقديم أفلام القضايا الكبري،أو تلك التي تعتبرها كبري، واختلط الأمر لدي الجمهور والنقاد أيضا حتي أصبح السؤال المكرر الذي يطرحه معظم الصحفيين علي صناع الأفلام "إيه القضية اللي بتطرحها في فيلمك؟" واختلط الأمر وأصبحت الأفلام تنافس الجرائد اليومية وبرامج التوك شو في عرض القضايا الآتية فقط، مع تجاهل تام لحقيقة كون السينما وسيلة للمتعة والترفيه أولا،ثم وسيلة لطرح القضايا ثانياً وثالثاً،أما السينما الأمريكية وغيرها من سينما العالم فهي تعي تلك الفروق تماما وتقدم بين الحين والآخر أفلاما ترفيهية بحتة، بعضها ينتمي لنوعية الأكشن أو الفانتازيا، أو الكوميديا الاجتماعية، وبلبل حيران من تلك النوعية التي تعتمد علي كوميديا الموقف وسوء الفهم، وهي تمنح المشاهد جرعات مكثفة من الضحك يغسل الهموم، ويجعل الحياة أقل كآبة وسخفاً ولو بشكل مؤقت،ويقدم أحمد حلمي أداء شديد البساطة لشخصية بلبل، ولكنها تلك البساطة التي تعبر عن امتلاك الممثل لحرفية الأداء بحيث يحافظ علي الشعرة الدقيقة التي تفصل بين الأداء الكوميدي الراقي والأداء الهزلي الذي يميل"للاستعباط"، ويعتبر الحوار من أهم عناصر التميز في الفيلم خاصة أن البطل يقضي معظم مشاهد الفيلم وهو راقد "مربط "علي فراش مستشفي يحاور طبيبته الشابة! ورغم أن المساحة الأعظم من الفيلم كانت لشخصية بلبل إلا أن السيناريو قد رسم بقية الشخصيات،بشكل جيد سمح بتألق زينة في شخصية ياسمين،الفتاة العصرية،وشيري عادل في شخصية الفتاة اللخمة التي تعيش في ظل شخصية أمها،أما إيمي سمير غانم فهي تكتسب مع كل فيلم تقدمه أرضا جديدة تقربها من البطولة المطلقة وهي تتمتع بوجه هاديء وقدرة مذهلة علي الأداء العفوي،فيلم بلبل حيران يقدم حالة من البهجة كنا في أمس الحاجة إليها،في ظل تلك الظروف المرتبكة التي نعيشها هذه الأيام!