حتي في تل أبيب يرتقبون انتفاضة جديدة، بعد أن فشلت مفاوضات شرم الشيخ، بل لم تتحرك من مكانها خطوة واحدة، وما كان يمكن أن تسفر عن أكثر من هذا. فالصهاينة وكما قالت مجلة «تايم» الأمريكية ما عادوا يكترثون بالسلام، والمفاوض الفلسطيني لا يمثل كل الفلسطينيين. وصلت المفاوضات المباشرة بين ممثلي السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني إلي طريق مسدود. اصطدمت المفاوضات الوليدة بجدار أصم، قبل أن تقطع مرحلة واحدة في شرم الشيخ. ويسأل سائل: وهل كان يمكن للمفاوضات أن تنجح؟ والإجابة بوضوح واختصار هي: لا. وفي التفاصيل نقول: إن الكيان الصهيوني، ومن يحركونه في الغرب، حصلوا علي كل ما يريدونه بمجرد بدء المفاوضات. بينما الطرف الفلسطيني الذي ذهب إلي الطاولة خسر كل شيء، وبمجرد ذهابه إلي المفاوضات أيضا، فهل هناك بالنسبة للصهاينة نجاح أكثر من هذا؟ وهل يعقل، وقد حصلوا علي ما يصبون إليه، أن يبذلوا أي جهد أو يقدموا أي تنازلات؟ ربح الصهاينة تماماً، وخسر المفاوض الفلسطيني كل شيء، والأكثر من هذا أن العلاقة بين طرفي التفاوض لم تعد قابلة للتعديل: لا الصهاينة يمكن أن يخسروا ما ربحوه من ممثلي السلطة الفلسطينية، ولا ممثلو السلطة يمكنهم أن يستردوا ما خسروه. والأمل في بقاء الحلم الفلسطيني معقود علي تلك الأطراف التي لم تفاوض. وتعالوا نحسبها بالعقل، ونسأل مبدئياً عن مغزي وصف المفاوضات بأنها مباشرة: إن كان المعني هو التقاء الفلسطينيين والصهاينة مباشرة وجهاً لوجه فإن هذا حدث مسبقاً، وبالتالي فهو لا يستحق وصفاً مميزاً. وإن كان المقصود هو أنها مفاوضات بين الطرفين دون وسطاء فإن هذا لم يحدث، إذ جرت المفاوضات في حضور واشنطن وأطراف عربية، وهناك مساعٍ لتفعيل مشاركة أطراف أوروبية؛ مما يعني أن المفاوضات تجري بالطريقة نفسها التي تجري بها طوال الوقت، وتفشل أيضاً كما اعتدنا أن نراها تفشل طول الوقت، أما وصفها بالمباشرة فيأتي لصالح الكيان الصهيوني، الذي أرادها «إعلان إذعان» يؤكد المفاوض الفلسطيني خلاله اعترافه بالكيان العنصري بصفته دولة ذات سيادة علي كامل الأرض كما يدعي دون أن يحصل المفاوض علي أي شيء في المقابل. من هنا يبدو منطقياً أن يصر الكيان الصهيوني علي مواصلة بناء المستوطنات، غير مبال بالمناشدات الأمريكية الصورية بكل تأكيد لتجميد البناء، مع إصراره علي فرض الاعتراف بيهودية الدولة علي أجواء وأطراف التفاوض. وأرجو أن نلاحظ ارتباط المستوطنات بيهودية الدولة، حيث تعني اليهودية ترحيل عرب فلسطين من أرضهم لبناء مستوطنات جديدة عليها. كما تعني طرد سكان القري والتجمعات والمضارب، التي تقع فيما يسميه الصهاينة طريق النمو الطبيعي للمستوطنات، لتتمدد هذه المستوطنات، بينما يلقي بالفلسطينيين أكداساً في مناطق السلطة المحرومة من أبسط وسائل الحياة. كما تعني يهودية الدولة تحريم الحديث عن حق اللاجئين في العودة إلي ديارهم، ونسيان الحلم بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية غير المسموح بإقامتها ولا بالإعلان عنها. هذا ما يجري، والصهاينة لن يتنازلوا عن شرط ولا سطر ولا كلمة من طرحهم، والمفاوض الفلسطيني فقد كل أوراقه بمجرد جلوسه إلي الطاولة، التي سيظل مسموحاً له بالوجود علي أحد مقاعدها، حتي تسقط بقية الأطراف الفلسطينية في فخ التفاوض. وما يريده الصهاينة في الأرض المحتلة والغرب، هو أن يأتي الفلسطينيون كلهم، قبل أن يُطردوا كلهم، ويُغلق ملف فلسطين إلي الأبد، أو إلي أن تتفجر المقاومة مرة أخري، التي أعتقد أنها ستُسقط رهان الكيان الصهيوني علي «الإذعان» الفلسطيني، مُحيلة ما يجري في شرم الشيخ إلي مفاوضات فاشلة وطرفين خاسرين.