.. كنت شاهداً ومشاركاً الجمعة الماضية في انتخابات نادي الجزيرة، وأحسب أن الأصوات التي فاز بها المهندس الشاب إسلام السنهوري، لم تكن- فقط - انحيازاً لشخصه، ولم تكن أصواتاً احتجاجية ضد شخص أحمد السعيد «70عاماً»، بل كانت أصواتاً مع التغيير، وضد التمديد لرئيس قضي في موقع الرئاسة أكثر من دورة. .. أحسب أن الحاضر الغائب في انتخابات نادي الجزيرة التي أجريت الجمعة الماضية كان هو الرئيس مبارك شخصياً وربما نجله بدرجة أقل، ونظامه في الأخير. .. صورة الرئيس مبارك كانت أمام كل العيون التي تطلعت لأن تختار للرئاسة المهندس الشاب إسلام السنهوري، أو الإداري المخضرم نور الفرنواني.. في مواجهة الرئيس الحالي - ولعدة دورات - أحمد السعيد «70 عاماً»!! .. الذي سقط في الانتخابات ليس هو أحمد السعيد الذي قضي في مقعد الرئاسة ثمانية أعوام، بل الذي سقط بشكل حقيقي وواقعي هو شبح رئيس لا سقف لوجوده وخلوده علي مقعده بغض النظر عن إرادة الناس واختياراتها! .. سألت عشرات وسألني مئات وأنا في الطريق إلي صندوق الانتخابات «من ستختار؟» وكان الجميع يجيب بكلمة واحدة «التغيير»!! لم أدهش أن أجد رموزاً للتغيير أمثال الدكتور علاء الأسواني، يتحمسون - وربما لأول مرة - للمشاركة في انتخابات نادٍ بعضهم لم يدخله منذ سنوات ومعظمهم كان معنياً بالتجربة وكأنها أنبوب اختبار لوطن لم يُختبر بعد. .. لم أسمع طوال اليوم الحافل بالممارسات الديمقراطية الشفافة كلمة واحدة تشير للتوجس من تلاعب في العملية الانتخابية أو في إعلان النتائج أو في التدخل لتحول المسار. .. أصوات الناس في نادي الجزيرة، كانت أشواقاً جارفة بطعم التغيير، الذي عز في الوطن، واستحق في النادي، عندما يسكت المصري، ويستمر ساكتا يعتقد البعض أنه أصيب بالخرس، وعندما يسكن تتصور أنه مات وفجأة تجده يثب وينطق ويحقق مخزون الأمنيات!! .. عظمة الإنسان في مصر لا تظهر إلا في لحظات فارقة، صادقة، يشعر فيها بالصدق، فيقلب موازين اللعبة، ويحول الهزل إلي جد، ويكشف عن مواهبه، وأشواقه الدفينة للحرية. .. معظم الذين صادفتهم من أصدقاء، وزملاء، ومعارف، يوم انتخابات نادي الجزيرة شعرت بأن شيئا مختلفاً في ملامحهم، الفرحة تتحرك بين عيونهم، والابتسامة الغائبة دائما تكسو وجوههم، ابتهاجاً بلحظة يعملون فيها إرادتهم الحرة في الاختيار. .. الجميع يري أن مصر تستحق رئيساً شاباً واعداً مثل المهندس إسلام السنهوري الرئيس الجديد لنادي الجزيرة. .. مصر تشتاق لرئيس يأتي بإرادة الناس، ولا يفُرض عليهم، رغم إرادتهم، رئيساً يشعر بأنه مدين لهم أتوا به لنجدتهم، لا رئيساً يَمنُ عليهم أنه سيتفضل ويحكمهم كما حكمهم من قبله والده. .. أختلف مع الذي يقول إن كل شيء في مصر يتدهور، وإنه لا أمل في هذا الوطن مطلقاً، وإن دعاوي التغيير هي أحلام يقظة، بينما الناس في مصر في الغيبوبة. .. فالناس في مصر تسعي للخروج من الغيبوبة، تدق أبواب التغيير، عندما تلوح لها الفرصة، - أي فرصة - حتي ولو كانت فرصة رمزية، فالشعب المصري ليس نائما - كما نظن أحيانا - بل هو مغمض العينين، ويحلم بالخلاص، نتوهم أنه استسلم، بينما هو ينتهز فرصة آمنة للانقضاض. .. سيأتي يوم قريب يكون لدي هذا الشعب فرصة ليختار رئيساً مثل «إسلام السنهوري».. ويُسقط رئيساً جالساً علي مقعده مثل أحمد سعيد. .. الفارق بين ما حدث في نادي الجزيرة الجمعة الماضية وما يحدث في مصر في كل انتخابات عامة هو الفارق بين القرن الواحد والعشرين والقرن الرابع عشر. .. ستظل حالة الجزيرة حالة موحية بوطن كالجزيرة، وسيظل إسلام السنهوري حلماً برئيس مثل إسلام السنهوري. .. تحية مستحقة لأحمد السعيد الرئيس الذي خرج دون أن يبدو وكأنه أسد مجروح يريد أن يفترس منافسيه وناخبيه ويهدم المعبد علي كل من فيه. .. وتقديراً لأكثر من عشرة آلاف مواطن مصري شريف قدموا لنا درساً في الأمل يؤكد أننا عندما نفتح النوافذ تدخل الشمس ويسطع النور ويتبدد الظلام وتبدو عظمة الإنسان والمواطن المصري في أعظم صورها. .. لقد انتهت تجربة الجزيرة.. وعلينا أن نسعي أن تكون مصر كلها كالجزيرة.