هل كانت مصادفة أن تنشر الصحف خلال اليومين الماضيين أكثر من عشرة أخبار رئيسية تدور كلها حول أراضي الدولة..بداية من مشروع «مدينتي» مروراً بأرض الوليد بن طلال بتوشكي، وأخيرا عن منتجع السليمانية..حيث عكست كثافة الأخبار أكثر من دلالة، منها: إن تلك الأخبار المتعلقة بأراضي الدولة قد أصبح لها مكان بارز في صحافتنا بعد أن أصبحت إحدي أهم القضايا التي تشغل أذهان المواطنين، كما أن جميع الأخبار المنشورة حرصت علي أن تبعث برسالة حكومية للمواطنين مفادها أن الحكومة بدأت تتعامل بجدية مع أراضي الدولة (بعد خراب مالطة)..مثال ذلك توقيع مركز استخدامات أراضي الدولة اتفاقا مع هيئة المساحة التابعة لوزارة الري بهدف إجراء رفع مساحي لجميع أراضي الدولة، علي أن يتم تنفيذ المشروع خلال عامين بتكلفة 50 مليون جنيه. النشر المكثف لأخبار الأراضي في صحفنا وفي أماكن بارزة، جاء علي حساب حدثين مهمين هما: ارتفاع الأسعار وانتخابات مجلس الشعب.. ورغم أهميتهما فإنهما لم يشغلا تلك المساحة الكبيرة مقارنة بمساحة أخبار أراضي الدولة، ورغم أن الأخبار المنشورة دارت حول قضايا قديمة كانت معلقة وليست وليدة نزاع جديد فإنها قفزت فجأة لصدارة الاهتمام..وسبب ذلك يعود إلي حكم القضاء في مشروع (مدينتي) الذي ألقي الضوء علي نهب ثروة المصريين من الأراضي، فزاد الاهتمام إلي هذا الحد غير المسبوق. الملاحظات السريعة السابقة تستدعي منا قراءة لبعض تلك الأخبار التي كان أحدها عن اهتمام حكومي بإعداد خريطة لأراضي الدولة الفضاء وجميع الطرق الرئيسية، بهدف تصنيف استخداماتها والتعرف علي التعديات وتحديد المخالفين للأنشطة المحددة في العقود.. وحل النزاعات القائمة حالياً وتحصيل مستحقات الدولة عن الأراضي المخصصة للزراعة التي تم تحويلها إلي مشروعات عمرانية عقارية..(أين كانت تلك الهمة الحكومية بينما كانت الأصوات تندد بالنهب الحاصل لأراضي الدولة.. واشمعني الآن). لم تخل تلك الأخبار أيضا من الحديث عن النهب المنظم للأراضي الواقعة علي جانبي طريق إسكندرية الصحراوي التي لا تدفع ضرائب أو رسوماً مستحقة للدولة بسبب حصولها علي إعفاء لمدة عشر سنوات لحين بدء الإنتاج الزراعي، وهو ما لم يحدث بسبب تحويلها إلي مشروعات عقارية، مما يستدعي إلغاء هذا الإعفاء..(وعندما تقرأ الخبر السابق سوف تضرب كفا بكف وتقول: ياسبحان الله..ما الذي جري فجأة واستدعي فتح النار علي مستثمري الصحراوي من أحباب الحكومة). واستكمالا للنشاط الحكومي المفاجئ والمحموم تجاه تعاملها (الإيجابي!!) مع أراضي الشعب، فإنها قررت تغيير طريقة السداد في مشروع مدينتي (قرة عين الحكومة) وتحويله إلي السداد المادي بدلاً من العيني مع تقدير القيمة بحوالي 15 مليار جنيه، وتحصيل قيمة الوحدات المحددة في التعاقد مع الشركة نقداً بدلاً من النظام العيني الآجل، حتي إن مصدرا حكوميا فسر ذلك كمحاولة حكومية لتهدئة الرأي العام..(ومنذ متي كان الرأي العام محلا لإرضاء حكومي..بينما كان يطالب بذلك منذ زمن). واستمرارا لنشر تلك الأخبار العجيبة التي عكست نشاطا حكوميا مفاجئا، فلم تترك الحكومة أرض الوليد بتوشكي في حالها بعد أن أكد المدير التنفيذي لهيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة تباطؤ معدلات التنفيذ والتنمية في أراضي الوليد..كما أن الأمير لم يحقق وعوده أمام الدولة بزيادة الاستثمارات في أراضي المشروع، ولم يستصلح ويزرع سوي ألف فدان من إجمالي المساحة المخصصة له. كما لم تدع الحكومة مشروع دريم لاند في حاله رغم مرور 15سنة علي إنشائه، حيث اعترضت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة علي إعلان أحمد بهجت عزمه بيع 3 قطع أراض مملوكة له في أكتوبر، ونشرت إعلاناً في الصحف تحذر فيه الشركات من شراء الأرض لوجود مستحقات لها لدي الشركة لم تسددها حتي الآن. بعد أن تنتهي من قراءة كل الأخبار السابقة التي سوف تصيبك بالدهشة مثلي، فإنك سوف تتساءل عن سر هذا الحماس الحكومي الغريب تجاه التعامل مع أراضي الدولة، ولماذا فجأة دب النشاط في الجهاز الحكومي..وهي حالة غريبة لم نعهدها في حكومتنا..خاصة أنها هنا تلبي مطلباً وطنياً عزيزاً بحماية أراضي المصريين من النهب؟!. حاولت إيجاد تفسير لهذه الحالة الحكومية الغريبة لكن لم أجد سوي أن شيئاً ما يجري لكسب الرأي العام وتهدئته خلال الفترة الحالية..لكن ماهو؟.هذا هو السؤال الذي لم أعرف إجابته. عندك إجابة؟.